المشاركات

عن المستمعين \جورج ديهمال

صورة
  حينما تقدّم زارادشت إلى الشمس وتوجّه إليها بالقول رافعا صوته:" أيّها الكوكب الكبير" ! ما عساها تكون سعادتك، إذا لم يوجد أولئك الذين تضيء عليهم بنورك؟"، فإنّه يطرح بقوّة مشكل المستمعين، وبشكل أوسع أيضا، المشكل العام للعلاقات التي تربط الفنّان بجمهوره. يغريني هذا بإضافة كلمة إلى هذه الجملة المشهورة:" ما عساها تكون سعادتك بل ما عساه يكون عملك؟ وما عساه يكون وجودك الخاص؟" إنّ العمل الذي يتيه في الصّمت يوشك أن ينغمر فيه. وإنّ إعجاب الشريك هو الذي يفجّر نبع الانفعال الاستيتيقي، وبالتالي الجمال التامّ. لابد من اثنين ليتحقّق الحبّ. فبعد ثلاث قرون ونصف، صارت مأساة هملت، أكثر جمالا بالتأكيد، من لحظة ميلادها. لقد أضفنا إليها جميعا، بولعنا، شيئا من ذواتنا، زاد العمل ثراء. ليس القارئ جزءا من المستمع، إلاّ إذا كنّا لا نتلهّى بالكلمات. والناس الذين يستخدمون اليوم كلمة من قبيل الاستماع يستخدمونها غالبا كيفما اتفق. فالقارئ غالبا ما يكون منعزلا. إنّه أكثر نقاء من المستمع، - ولا أتحدث هنا عن هذه الشخصيّة المستجدّة: مستمع الراديو.- نعم القارئ أكثر نقاء، وأقلّ تأثّرا بفخامة السّا

الضاحك \ هاينريش بول

صورة
  قصة قصيرة للكاتب الألماني (هاينريش بول) عندما أُسأل عن مهنتي يتملكني شعور حاد بالإحراج : وجهي يحمر، أتلعثم، أنا الذي ينظر إلي الجميع كشخص واثق من نفسه الى أبعد الحدود. أحسد الناس الذين بوسعهم الإجابة هكذا: أنا بنّاء. أنا مصفف شعر، محاسب، كاتب. أحسدهم على البساطة التي بها يجيبون، ذلك أن جميع هذه المهن تشرح نفسها بنفسها ولا تستدعي توضيحات مسهبة. أنا، بالمقابل، أجدني مضطرا للإجابة على أسئلة من هذا القبيل هكذا : أنا ضَاحِك. اعتراف من هذا النّوع يستدعي اعترافا آخر، كوني مجبر على الإجابة بصدق عن سؤال إضافي :” هل تكسب لقمة عيشك من هذا العمل” بالإيجاب. أنا فعلا أعيش من ضحكي، بل أستطيع القول إنني أعيش بشكل جيد، ذلك أن ضحكي، بتعبير تجاري، مطلوب في السّوق. أنا ضاحك جيد، ضاحك محنك، لا أحد بوسعه مجاراتي في الضّحك، لا أحد بوسعه السيطرة على الفروقات الدقيقة لهذا الفنّ مثلما أفعل . لفترة طويلة قدمت نفسي- تحاشيا للتفسيرات المزعجة- بوصفي ممثلا، غير أن تعبيرات وجهي ومهارات التحدث لدي من المحدودية بحيث تجعل هذا التوصيف يبدو منافيا للحقيقة : أنا ضاحك. لست مهرجا ولا فنانا فكاهيا، أنا لا أبهج الناس، أنا أع

إمكانية الشك \ شارل رونوفي

صورة
  لعلامة الحقيقية للإرادة والسمة الأساسية لهذا التطور المكتمل الذي يؤهل الإنسان ليتأمل العالم من حوله وليكون جديرا بالسيادة والاستقلالية هي إمكانية الشك. أليس من المدهش أن نميز الإنسان المستنير والمثقف حقا بأحكام تجعله عرضة للشك ويعترف بجهله لا أن نميزه من خلال تلك الأحكام التي قد تبدو يقينية لا شك فيها. إن الجاهل نادرا ما يشك, والغبي يشك بدرجة أقل منه أما المجنون فلا يشك على الإطلاق. إن العالم سيكون مختلفا جدا على ما هو عليه لو أتقن أغلبية البشر ممارسة الشك. في هذه الحالة لن يكون البشر عبيدا لعاداتهم ولأحكامهم المسبقة التي يفرون إليها في أغلب الأحيان... اليقين لا يمكن أن يكون مطلقا, إنه، وهذا ما وقع نسيانه، فعل وحالة إنسانية. ليس الفعل والحالة التي من خلالها يفهم الإنسان مباشرة ما لا يمكن معرفته مباشرة والمقصود بذلك الوقائع والقوانين... لا وجود ليقين هناك فقط أناس على يقين. شارل رونوفي من محاولة ثانية في النقد العام 

مفهوم الغير

صورة
  مفهوم الغير ... إن الوضع البشري للشخص لايتحدد بوجوده الخاص فقط من حيث هو شخص له هوية ومن حيث هو قيمة وغاية بالنسبة لذاته كوجود فردي، وإنما يرمي الوضع البشري بالشخص إلى وجود آخر وإلى علاقات خارج الذات وهويتها، ذلك هو الوجود في حضرة الغير، فوضعنا ككائنات بشرية ليس وضع شخصي خالص، بل هو كذلك وضع غيري، وضع يوجد فيه الشخص مع غيره ويدخل معه في علاقة أو علاقات مختلقة. إن الإنسان من حيث هو شخص ليس فرد معزول، بل يمكن القول أنه موجود ليعيش مع الآخرين، فالحاجة إليهم من الضرورات التي تفرض نفسها عن الغير، مما يجعلها من علاقة  جدلية تفاعلية فيها الايجاب والسلب، القبول والرفض، الحب والكراهية ... دلالات مفهوم الغير : الغير: في الدلالة المعجمية العربية، يظهر أن مفهوم الغير مشتق من كلمة غير التي تستعمل عادة للإستثناء بمعنى سوى. ومن ثم يتخذ مفهوم الغير معنى التميز والإختلاف، كما يلاحظ ترادف بين معنيي الغير والآخر. أما في الدلالة المعجمية الفرنسية، يلاحظ بعض التمييز بين مصطلحي الغير Autrui والآخر L'autre، حيث يتخذ مفهوم الآخر معنى أوسع يفيد كل ما يختلف عن الموضوع والذات، فيشمل الإختلاف كذلك مستوى الأ

الجحيم هو الآخرون؟ جان بول سارتر

صورة
  لماذا يؤكد سارتر أن الجحيم هو الآخرون؟ اكتسب جان بول سارتر ، الفيلسوف الفرنسي الوجودي ، شهرة واسعة بمزاعمه الاستفزازية. ومن أشهرها "الجحيم الآخرون" ماذا تقصد بهذه العبارة سارتر؟ تم وضع هذا البيان في فم غارسين ، شخصية في مسرحيته باب مغلق في عام 1944. هذا العمل حول رؤية الجحيم. ثلاث شخصيات مجبرة على البقاء في غرفة صغيرة مغلقة لا يمكنهم الهروب منها. هناك ينجذبون وينبذون باستمرار ، ويجبرون على الاعتراف لبعضهم البعض بالجرائم المنخفضة التي يرتكبونها هناك ، خاصة فيما يتعلق بعدم الولاء لأحبائهم. في النهاية أدركوا أنهم موجودون بالفعل لتعذيب بعضهم البعض. هذا هو سياق عبارة "الجحيم هم الآخرون" ، عندما يدرك أحد الشخصيات أن وظيفة كل واحد هي إعاقة وجعل الاثنين الآخرين بائسين. أوضح سارتر في مقابلة أن عبارة "الجحيم هو الآخر" تشير إلى العلاقات المتضاربة التي نمتلكها عادة في حياتنا. لنتذكر أن الفرد بالنسبة لسارتر حر تمامًا عند اتخاذ قراراته الخاصة وتحديد معنى حياته. ومع ذلك ، عندما يتواصل الفرد مع شخص آخر ، يريد الآخر عمومًا أن يفرض عليه رؤيته الخاصة لما هو نفسه ، أي أنه ي

خطاب عن البشر

صورة
  أريد أن أتحدث إليكم اليوم كرجل ميت إلى أموات آخرين .. أسمحوا لي أن أقدم لكم خطاب عن البشر كأنواع بيولوجية.. دائماً ما كانت البشرية نوع مأساوي ، نوع هالك منذ بزوغه ، هذا هو مصيرنا دائماً .. لقد حاولنا أن نقضم أكثر بكثير مما نستطيع مضغه زاعمين أننا الأفضل في الخلق الطبيعي. لقد استطاع عنادنا أن يسوق أجسادنا و حواسنا و أفكارنا نحو التعفُّن . لكننا صنعنا روائع، أدركنا عدم الجدوى منها، و قابليتها للتغير.. و وجدنا في أنفسنا القدرة على الحب -  كان ذلك صعبا جداً - و استمر الإنسان في الحب، و الحب خلق الفن ، هذا الفن الذي يعكس كم نحن متوِّقين إلى الكمال .. يأسنا الهائل، وبكائنا اللانهائي من الرعب .. عوائِنا البائس في المساحات الشاسعة المقفرة الباردة الغير مبالية. حسناً لقد قلت الكثير من الكلمات البغيضة عن الجنس البشري، الكثير من الإزدراء و الإستحقار ، أشاهد السخرية الوقحة من البشرية لمصيرها المأساوي . في خرابِها و تعفُّنِها الأخير.. Dead Man's Letters (1986)

فلسفة الحب والجنس والزواج \ رجاء حلواني

صورة
  يقول البروفيسور رجاء حلواني،  أستاذ الفلسفة في مدرسة الفن بمعهد شيكاغو، في خاتمة كتابه فلسفة الحب والجنس والزواج Philosophy of Love, Sex and Marriage: لست متأكدًا مما إذا كان فعل الإنجاب غير أخلاقي. ومع ذلك، فإن جلب شخص ما إلى العالم يشتمل على إمكانية تعريضه لخطر كبير من المعاناة والأذى، بينما إذا لم نجلبه إلى العالم، فلن نحرمه من أي شيء (ليس الأمر كما لو أن الأطفال موجودون في جانب من العالم الآخر يطرقون بواباتنا الإنجابية في انتظار الاستجابة لهم). على الرغم من أن نوعية حياة الناس تختلف اختلافًا كبيرًا من شخص لآخر، إلا أن الجميع يعانون داخل تلك الحياة، ويتعين عليهم مواجهة الموت، الذي يجده معظمهم مرعبًا. هناك أيضًا عدد من الناس يعانون أكثر من غيرهم؛ الفقر، وسوء الحالة الصحية، والحوادث المأساوية في الحياة، وما إلى ذلك. لذلك في كل مرة نجلب فيها طفلًا إلى العالم، نقوم بالمساهمة في  وجود كائن من المرجح له أن يعاني. فلماذا نجلبه إلى العالم بينما إن لم نفعل ذلك فنحن لا نحرمه من أي شيء؟ أضف إلى ذلك أن الحالة الراهنة في العالم تبدو بالغة السوء: إن تغير المناخ واقع علينا جميعًا، وسكان العالم ي

إن قسوة الحياة تؤدي الى ولادة الخير في القلوب العظيمة \ فاسيلي غروسمان

صورة
  إن قسوة الحياة تؤدي الى ولادة الخير في القلوب العظيمة. لاحقا تسعى هذه القلوب الى إعادة هذا الخير الى الحياة مرة أخرى، على أمل أن تجعل الحياة تتوافق مع ما تعنيه صورة الخير لديها. ولكن الحياة لا تتغير وفق تصوراتنا عن الخير. بل أن ما يحدث هو أن رؤيتنا للخير تغرق في مستنقع الحياة، فتفقد سمتها الكونية، وتنقسم الى شظايا مبعثرة، يتم استغلال بعضها وفق ما يتطلبه الوضع الراهن. إن الناس تخطئ في رؤيتها للحياة كصراع بين الخير والشر. فهؤلاء الراغبين في تحقيق كل الخير للإنسانية، هم في نفس الوقت غير قادرين على زحزحة الشر بمثقال ذرة. قد شهدت بعيني ولادة الجبروت الذي لا يقهر لفكرة خير المجتمع في بلادي. رأيت كيف يتم الصراع من أجل هذا الخير خلال مرحلة تشكيل التعاونيات, ورأيتها في عام 1937. لقد شهدت كيف تمت إبادة الناس باسم فكرة تحمل كل نقاوة وإنسانية المثل العليا للمسيحية. رأيت قرى بأكملها تموت من الجوع، وشاهدت أطفال الفلاحين يموتون في ثلوج سيبيريا. رأيت قطارات متجهة الى سيبيريا محملة بالمئات والآلاف من رجال ونساء من موسكو، لينينغراد ومن كل مدينة روسية. جميعهم اعتبروا أعداء للفكرة العظيمة البراقة عن “ال

حول الحالة الإنسانية \ روي أندرسون

صورة
  حول الحالة الإنسانية: حوار مع روي أندرسون  روي أندرسون هو مخرج سويدي معروف، مشهور بفيلمه A Swedish Love Story (١٩٧٠) وبثلاثية الوجود التي تتضمن فيلم  Songs from the Second Floor (٢٠٠٠)، وفيلم You, the Living (٢٠٠٧)، وفيلم A Pigeon Sat on a Branch Reflecting on Existense (٢٠١٥) الذي فاز بجائزة الأسد الذهبي بمهرجان فينيسيا الدولي للسينما، في دورته الـ ٧١. ماذا يعني أن تكون إنسانًا وهل الفن قادر على تصوير هذا؟ يتحدث المخرج السويدي روي أندرسون، الحائز على الجوائز، إلى مجلة "four by three" عن ثلاثية الوجود، وعن السينما المعاصرة، والعلاقة بين الجماليات والأخلاق، وهشاشة الحالة الإنسانية، أثناء تناوله لغرض الفن والسينما. على النهج الوجودي لألبير كامو وبقسوة جمالية واستخدام محصور لممثلين هاوين على غرار روبير بريسون، تتأثر أفلام روي أندرسون بنظريات أندريه بازان السينمائية وواقعية فيتوريو دي سيكا في "Bicycle Thieves". بعد أن قام بإخراج 500 إعلان تجاري، عاد أندرسون إلى الأفلام الطويلة عام 2000 بفيلمه "Songs from the Second floor"، والذي فاز بجائزة لجنة التحكيم في مه

العقل أو العقلانية \ كارل بوبر

صورة
  حينما أتحدّث عن العقل أو العقلانية، فإنّ ما أعنيه هو القناعة أنّ بإمكاننا التعلّم من خلال نقد أخطائنا وزلّاتنا، وبالأخصّ من خلال نقد الآخرين لنا، وصولاً إلى امتلاك مهارات النقد الذاتيّ لأنفسنا؛ فالعقلانيّ – ببساطة – هو شخصٌ يرى أنّ أهميّة تعلّمه للأشياء يفوق كثيراً أهمية أن يتمّ إثبات أنّه على حقّ، هو شخصٌ يمتلك الاستعداد الكافي ليتعلّم من الآخرين وليس فقط ليستولي على آرائهم، وذلك عبر السماح لهم بنقد أفكاره، وعبر نقده هو لأفكار الآخرين. التركيز هنا هو على النقد من حيث هو ممارسة فكرية، أو بعبارة أكثر دقّة على النقاش النقدي. العقلانيّ الأصيل لا يعتقدُ أنّ الحقيقة حكرٌ عليه هو، ولا هي حكرٌ على سواه. هو لا يعتقد بأنّ النقد المجرّد يتيح لنا التوصّل إلى أفكارٍ جديدة، لكنّه يعتقد بأنّ النقاش النقدي يساعدنا ، فيما يتعلّق بالأفكار، على تمييز الغثّ من السمين. إنّه يعي بشكل جيّد أنّ قبول أو رفض فكرة ما لا يمكن أن يكون مسألة عقلانيةً بحتة، ولكنه يعتقد أنّ النقاش النقديّ هو ما يمكنه أن يمنحنا النضج الكافي لرؤية الفكرة على نحو أكثر عمقاً، ومن جوانب جديدة، وهو ما يتيح المجال لنا لنصدر حكماً صحيحاً

من أين تأتي بأفكارك؟ نيل غيمان

صورة
  في مدونته الشخصية، كتب (غيمان) مقالة عن السؤال الذي يُطرح عليه بشكل متكرر، ألا وهو "من أين تحصل على أفكارك؟"، يقول فيه: كل مهنة لها شراكها. الأطباء، على سبيل المثال، دائما ما يتم سؤالهم للحصول على المشورة الطبية المجانية، ويطلب من المحامين المعلومات القانونية، ويقال لمتعهد الموتى كيف ان مهنته لاشك مثيرة للاهتمام قبل أن يغير الناس مجرى الحديث بسرعة. وكذلك نحن الكتاب نُسأل: “من اين نحصل على افكارنا؟” في البداية، كنت أجيب الناس بإجابات ليست مسلية جدا، أحد إجاباتي التي أتهرب بها : “من نادي فكرة الشهر”، أو “من محل افكار صغيرة في بوغنور ريجيس”، أو “من كتاب قديم مليء بالافكار في قبو منزلي”، أو حتى “من بيت أتكينز”. والإجابة الاخيرة مقصورة على فئة معينة، وربما تحتاج إلى تفسير قليلا. (بيت اتكينز) هو صديقي كاتب السيناريو والروائي، وقررنا منذ فترة أنه عندما يطرح علي هذا السؤال أن أجيب بأنني احصل على الأفكار منه، وهو كان يجيب بأنه يحصل على الافكار مني. بدأ هذا ذا معنى في ذلك الوقت. ثم سئمت من الإجابات الغير مسلية، في الوقت الحالي صرت أخبر الناس الحقيقة: أنا اخترعها؛ أقول لهم، آتي بها من

فكرة نيتشه عن العود الأبدي

صورة
  ظهرت فكرة العود الأبدي في صور كثيرة منذ بدء الخليقة، والفكرة ببساطة أن الوجود يتكرر في دائرة، إذ تتحول الطاقة والمادة من صورة إلى أخرى. وفي اليونان القديمة، اعتقد الرواقيون أن الكون يمر عبر عمليات معادة من التحولات، مشابهة لعجلة الزمن المعروفة في الهندوسية والبوذية. تلك الأفكار حول تكرار الوقت سرعان ما أصبحت أفكارًا بائدة، خاصةً في الغرب مع ظهور المسيحية، وأحد الاستثناءات الملحوظة ظهرت في أعمال فريدريك نيتشه (1844-1900)، وهو مفكر ألماني من القرن التاسع عشر، اشتهر بنهجه غير التقليدي في دراسة الفلسفة، والعود الأبدي إحدى أشهر أفكاره، وقد ظهرت في الجزء قبل الأخير من كتابه «العلم المرح». العود الأبدي: العلم المرح أحد أكثر أعمال نيتشه شخصية، إذ لم يجمع فيه أفكاره الفلسفية فقط، ولكن أيضًا عددًا من القصائد والأقوال المأثورة والأغاني، وتظهر فكرة العود الأبدي (التي قدمها نيتشه بوصفها تجربة فكرية) في القول المأثور رقم 341؛ «الوزن الأثقل»: «إذا ظهر لك شيطان في أحد الأيام أو الليالي، وأنت في وحدتك الشديدة، وأخبرك أن حياتك التي عشتها وستعيشها ستعاد مرات ومرات بلا نهاية دون أي تجديد فيها، كل ألم أو

لم يكن أبي يفعل شيئاً، فلماذا افتقدته الى هذا الحدّ؟ إيرما بومبيك

صورة
  كتبت الكاتبة والصحفية الأمريكية الراحلة "إيرما بومبيك": لم يكن أبي يفعل شيئاً، فلماذا افتقدته الى هذا الحدّ؟ عندما كنت صغيرة بدا لي أن الأب مثل مصباح الثلاجة، ففي كل بيت مصباح في الثلاجة لكن لا أحد يعرف تماماً ماذا يفعل حين ينغلق باب الثلاجة. كان أبي يغادر البيت كل صباح وكان يبدو سعيدا"برؤيتنا ثانية" حين يعود مساء". كان يفتح سدادة قارورة المخللات على المائدة حين يعجز الجميع عن فتحها. كان الوحيد في البيت الذي لا يخشى النزول بمفرده إلى القبو. كان يجرح وجهه وهو يحلق ذقنه، لكن أحداً لم يتقدّم ليقبله أو يهتم بما حصل له. حين يمرض أحدنا نحن الأولاد كان هو من يذهب للصيدلية لإحضار الدواء. كان دائماً مشغولاً، كان يقطع أغصان الورد في الممر لباب المنزل ليومين ویعاني من وخزات الأشواك ونحن نسير للباب الأمامي للمنزل. وهو الذي كان (يُزيت) عجلات مزلاجي كي تجري على نحو أسرع. وحين حصلت على دراجتي الهوائية كان هو الذي يركض إلى جانبي، وقطع ألف كيلومتر على الأقل قبل أن أسيطر عليها وحدي وأتعلم القيادة. هو الذي كان يوقع بيانات علاماتي المدرسية. وقد أخذ لي صوراً لا تحصى من دون أن يظه

لماذا نقرأ الأدب؟ ماريو بارغاس يوسا

صورة
  دائمًا ما يأتيني شخص حينما أكون في معرض كتاب أو مكتبة، ويسألني توقيعًا، إما لزوجته أو ابنته أو أمه أو غيرهم، ويتعذر بالقول بأنها “قارئة رائعة ومحبة للأدب”. وعلى الفور أسأله: “وماذا عنك؟ ألا تحب القراءة؟”، وغالبًا ما تكون الإجابة: “بالطبع أحب القراءة، لكني شخص مشغول طوال الوقت”. سمعت هذا التعبير العديد من المرات، وهذا الشخص وبالطبع الآلاف مثله لديهم أشياء مهمة ليفعلوها، فهناك التزامات كثيرة ومسؤوليات أكثر في الحياة، لذلك لا يستطيعون إضاعة وقتهم الثمين بقراءة رواية أو ديوان شعر أو مقال أدبي لساعات. استنادًا إلى هذا المفهوم الواسع، فإن قراءة الأدب هي نشاط كمالي يمكن الاستغناء عنه؛ لا شكّ بأنه يهذب النفس ويزودها بالأخلاق الحميدة وبالإحساس بمن حولها، لكنه في الأساس ترفيه، ترف للأشخاص الذين يملكون وقت فراغ. هو شيء يمكن وضعه بين الرياضات أو الأفلام أو لعبة شطرنج؛ وهو نشاط يمكن أن نضحي به دون تردد حينما نرتب «أولوياتنا» من المهام والواجبات التي لا يمكن الاستغناء عنها في سعينا الحياتي الشاق. يبدو بشكل واضح أن الأدب شيئًا فشيئًا يتحول إلى نشاط نسوي. في المكتبات، وفي المؤتمرات الخاصة بالكتّاب،

أيستطيع الرجل العادل أن يعيش في هذا العالم بدون أن يكون ظالماً أو مظلوماً؟ جبران خليل جبران

صورة
  أيستطيع الرجل العادل أن يعيش في هذا العالم بدون أن يكون ظالماً أو مظلوماً؟ أبإمكان الأبيّ أن يسير على سبل الحياة بدون أن يسحق أحداً بقدميه أو أن تسحقه أقدام السائرين؟ أيقدر من يعتقد بأن الجامعة البشرية مؤسسة على المبادلة أن يقف أيامه على ابتزاز ما للناس أو أن يسمح للناس ابتزاز ما لديه؟ من يخبرني ما إذا كان الحق في القوة أو القوة في الحق؟ أيّ منكم أيها الناس يستطيع أن يخبرني ماذا أفعل عندما ألتقي بالجبان المستبطل أو لما أجتمع بالشجاع المتمسكن؟ أذكر أنني لما كنت صبياً في السادسة كنت أجمع الحجارة الصغيرة وأبني منها بيوتاً صغيرة ذات قناطر وأبواب ونوافذ ثم أقتلع النباتات الصغيرة الجميلة من حديقتنا وأغرسها صفوفاً حول تلك المنازل. وكنت أفعل ذلك بلذة ورغبة غريبتين قلّما شعرت بمثلهما منذ ذاك الزمن. ولكن في المساء لم أكن أنتهي من عملي هذا وأعود الى البيت لتناول العشاء حتى يجيء أترابي الصبيان ويهدموا ما بنيته ويقتلعوا ما غرسته. فكنت أستيقظ في الصباح وأذهب تواً لأفرح بما صنعته يدي بالأمس فلا أجد سوى الحجارة المبعثرة والأزهار الذابلة فتظلم الدنيا في عيني وتملأ الغصات قلبي فأركض الى والدتي وأشكو ل

رسالة الشاعرة الفارسية فروغ فرخزاد إلى صديقها القاص إبراهيم كلستاني

صورة
  أحسُّ أني خسرتُ عُمري كلَّه، كان عليَّ أن أعرف أقلّ بكثيرٍ من خبرة السبعة والعشرين عاماً، لعلّ السبب يَكمُن في أنَّ حياتي لم تكن مُضيئة، فالحبُّ، وزواجي المُضحك في السادسة عشرة زلزلا أركان حياتي. على الدوام لم يَكُن لي مرشد، لم يربّني أحدٌ فكرياً وروحياً. كلُّ ما لدي هو مني، وكلُّ ما لم أحصل عليه كان بمقدوري امتلاكه؛ لولا انحرافي وعدم معرفتي لنفسي. عراقيل الحياة مَنعتني من الوصول.. أريد أن‏ أُبدأ…‏ سيئاتي لم تكن لسوءٍ في صميمي، لكن بسبب إحساسي اللامتناهي بعمِل الخَير…‏ أشعرُ تحت جِلدي بانقباضٍ وغَثَيان.. أريدُ تَمزيق كلَّ شيءٍ.. أُريد أن أتقوقعَ في ذَاتي ما أمكنني. أريدُ الانطواء في أعماق الأرض، فهناك حُبّي، هُناك عندما تخضر البذور وتتواشج الجذور يَلتقي التفسّخ والانبعاث، وجود ما قبل الولادة وما بعد الولادة، كأنَّما جَسدي شكلٌ مؤقتٌ سرعان ما سيزول. أريدُ الوصول إلى‏ الأصل، أرغب في تعليق قلبي على الأغصان مثل‏ فاكهةٍ طازجةٍ…‏ سعيتُ دائماً لأكون بوابة موصدة لئلا يَطّلع أحدٌ على حياتي الباطنيَّة الموحشة، لئلا يعرف أحد حياتي… سعيت إلى أن أكون آدمية.. ولكن كان في داخلي على الدوام كائنٌ حيٌ

كلاب من قش.. أفكار عن البشر والحيوانات الأخرى \ جون نيكولاس غراي

صورة
  جون غراي المنظر والاقتصادي الاجتماعي البريطاني في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، يدهش قراءه من حين لآخر بطروحاته المختلفة. وهو إذ يتناول موضوعات متباينة بشكل حاد, من العولمة واقتصاداتها إلى فكر القاعدة وتطرفها, لا يتهيب تسطير مقولات خلافية ومثيرة حقا, لكن ينظمها خيط مشترك من السوداوية والتشاؤم من قدرة الإنسان على تغيير واقعه التعس الذي جره على نفسه، كما رأى غراي في كتاباته السابقة وكما يؤكد في كتابه هذا حيث يرى الإنسان مجرد كائن لا يتميز بأي أفضلية عن بقية الكائنات.. إنه كلب من قش ليس إلا! في هذا الكتاب يمعن غراي في سوداويته ونظرته للإنسان ويذهب شوطا أبعد من كل الأشواط السابقة وبأسلوب فلسفي محير. فالفلسفة بشكل عام ليست من ذلك النوع من أنواع المعرفة الذي يستطيع المرء أن يصدر بشأنه التعميمات السريعة، حيث يكون من الأفضل كلما تعلق الأمر بالفلسفة أن يتروى المرء وأن يضيف ويركب عددا من الرؤى والأعمال معا حتى يتمكن من تصنيف الأمور والحقب الزمنية والتطورات المرافقة. وفي حال الرغبة في تعزيز أو ترتيب الأفكار المتعلقة بحقبة معينة أو بحركة معينة، فإن ثمة نوعين من التصانيف يمكن أن يعتمدا لهذ