عن المستمعين \جورج ديهمال
حينما تقدّم زارادشت إلى الشمس وتوجّه إليها بالقول رافعا صوته:" أيّها الكوكب الكبير" ! ما عساها تكون سعادتك، إذا لم يوجد أولئك الذين تضيء عليهم بنورك؟"، فإنّه يطرح بقوّة مشكل المستمعين، وبشكل أوسع أيضا، المشكل العام للعلاقات التي تربط الفنّان بجمهوره. يغريني هذا بإضافة كلمة إلى هذه الجملة المشهورة:" ما عساها تكون سعادتك بل ما عساه يكون عملك؟ وما عساه يكون وجودك الخاص؟"
إنّ العمل الذي يتيه في الصّمت يوشك أن ينغمر فيه. وإنّ إعجاب الشريك هو الذي يفجّر نبع الانفعال الاستيتيقي، وبالتالي الجمال التامّ. لابد من اثنين ليتحقّق الحبّ. فبعد ثلاث قرون ونصف، صارت مأساة هملت، أكثر جمالا بالتأكيد، من لحظة ميلادها. لقد أضفنا إليها جميعا، بولعنا، شيئا من ذواتنا، زاد العمل ثراء.
ليس القارئ جزءا من المستمع، إلاّ إذا كنّا لا نتلهّى بالكلمات. والناس الذين يستخدمون اليوم كلمة من قبيل الاستماع يستخدمونها غالبا كيفما اتفق. فالقارئ غالبا ما يكون منعزلا. إنّه أكثر نقاء من المستمع، - ولا أتحدث هنا عن هذه الشخصيّة المستجدّة: مستمع الراديو.- نعم القارئ أكثر نقاء، وأقلّ تأثّرا بفخامة السّاحر، وأكثر حريّة وبالتالي أكثر صلابة. لكنّه أيضا أكثر وفاء حينما يكون مشدودا إلى ما يقرأ.
لا يشبه مستمع في حفل موسيقي المستمع في المسرح. فلا وجه للمقارنة بينهما، بل لا يجب المقارنة بين مستمع للموسيقى، إلاّ على وجه استخدام سيء للعبارة، وبين الأستاذ أو المبشّر.
يجلس المستمع في المسرح على المقعد برغبة جامحة للاستسلام للظاهرة الجماعية . وإذا كان الشاعر بارعا وعارفا بفنّه، فإنّه سيجعل من هذا الجمع روحا واحدة طفوليّة وضاحكة وباكية ثم كثيرة الصّياح . روح عظيمة واحدة، قادرة على الامتنان عن طواعية، ولكن كم هي متقلّبة ! ومستعدّة للخيانة لو فقد السّحر خاصّته، لدقيقة.
لن يجد مستمع الحفل الموسيقي نفسه إلاّ في آخر نقطة أرغن. تنقل الموسيقى الإنسان إلى العزلة، حينما تمنحه، مع ذلك، ما ينتظره منها. وبفضل الموسيقى، يجد كلّ مستمع نفسه فجأة في حضرة ألمه وأمله وإيمانه وغضبه. إنّه يشارك ولكن بالصمت فحسب. ثمّ يضع الفنان قوس كمانه ويقوم من مقعده ويحيّي. فتجد كلّ هذه الأنفس المنعزلة نفسها فجأة متعدّدة لتهتف وتصفّق، ولتتصرّف فجأة بنبل كائن ممتنّ، حينما يجد، تحديدا، ما ينتظره.
-المصدر: مزيج من الاستيتيقا وعلم الفن – مهدى لإيتيان سوريو من أصدقاءه وزملائه -مكتبة نيزات باريس(1952) ص 4-5
تعليقات
إرسال تعليق