الكلّ يخافُ من الحميميّة، ومن الألفة والمودّة \ أوشو

 












الكلّ يخافُ من الحميميّة، ومن الألفة والمودّة 

الحميميّة تعني أن تكشفَ نفسك أمام غريبٍ، وكلّنا غرباء .

لا أحد يعرفُ الآخر، فنحن غرباءُ عن أنفسنا، لأنّنا لم نعرف أنفسنا بعد !

عليك أن تزيل كلّ الحواجز حتّى تحضر المحبّة والحميميّة، ولكنّ الخوف ينتابك حينما تفكّر بذلك، فماالذي يمكن للغريب أن يفعله بك ؟ 

إنّنا نخبّئ الكثير من الأمور في داخلنا، نخبّئها حتّى عن انفسنا، لأنّنا نشأنا على أمور فرضتها علينا الإنسانيّة المريضة، مع الكثير من المكبوتات والمحرّمات ؟

الحميميّة ببساطة تعني أنّ أبواب القلب مفتوحة لك، دروب القلب ترحّب بك لتأتي وتدخل وتستضيف، وهذا لن يحصل إلا إذا كان لديك قلبٌ ليس فيه كبت أو خوف ؟!

قلبٌ طبيعيٌّ كما هي الشجرة طبيعيّة، كما هم الأطفال الأبرياء !

إنّ الخوف الذي تشعر به مع الغريب، هو نفس الخوف الذي تشعر به أثناء تواجدك مع شخصٍ تعيشُ معه ثلاثينَ او أربعينَ عاماً من الغربة ؟! 

ستجد أنّ هناك مسافات تفصل بينكما، تعتبرها مسافات أمان ، وفيها تضع حواجزك ودفاعاتك، خوفاً من أن يكشف نقاطَ هشاشتك الدّاخليّة ؟

المشكلة أصبحت تتعقّد أكثر وأكثر، لأن الكلّ يريد الألفة والمودّة، فلولا الحميميّة لكنتَ وحيداً في هذا العالم، دونً صديقٍ، ودونَ حبيب . دونَ أي أحدٍ تستطيع الوثوق به، وتستطيع أن تفتحَ جروحكَ له . فالجرحُ لا يمكنُ شفاؤه إلّا إذا كشفتهُ. غيرَ أنّ تغطيته تعرّضه للخطر، تعرّضه للإلتهاب ،  للسّرطان ؟؟؟

أحاولُ مساعدتك لتخفّف الحمل من لاوعيك، لتخفّف الثّقل عن عقلك، ليس هناك أفضل من أن تكون بسيطاً ونقياً .. طبيعياً . ستكون كالكتاب المفتوح يمكن للكل قراءته، لا يوجد شيئ لتخفيه !

سيجموند فرويد الذي أسهم بعظمة في فهم عقل الإنسان، طريقته كانت تحليليّة، حيث كان يدعوك لتعي كل ما هو خفي فيك داخل عقلك الباطني، وهذا هو السرّ .. أنه بمجرّد أن يصبح شيئٌ لا واعٍ فيك .. واعياً، فإنّه يتبخّر وتغدو أنظف وأخف !

ولكن الذي سيدهشك .. هو أنّ فرويد نفسه لم يكن مستعدّاً لكي يصبحَ مادةً للتّحليل ؟! " الذي أوجد التّحليل النّفسي "

لم يقبل لأحد أن يحلّله . لقد كان خائفاً من كشف نفسه ؟!

فذلك سينزل العبقريّ العظيم إلى مستوى النّاس العاديّين !!

سيدرك أصحابه أن لديه المخاوف والرّغبات والمكبوتات والأحلام نفسها الموجودة لدى جميع الناس ؟؟

غوتاما بوذا لن يخاف التّحليل النّفسي لو عُرِض له ذلك لأنّه متأمّل حقيقي . أحلامه تتبخّر شيئاً فشيئاً ويبقى هو في صمتٍ وسكون عقلي !!

" التّأمّل طريقة لتذهب إلى أبعد من حدود عقلك "

لن يكونَ في عقله زحمة أحلام ورغبات، وعندما يأتي اللّيل ينامُ بعمقٍ، لأنّ الأحلام ليست سوى أفكار ورغبات وأمنيات لم يعشها الإنسان في الواقع ؟!

لقد سمعت عن حادثة حصلت لثلاثة روائيّين عظيمين ..

تشيكوف، جوركي، تولستوي . لقد كانوا عباقرة جميعاً .

كان تشيكوف يروي عن النّساء في حياته، وجوركي انضمّ إليه وقال بعض الأمور عنهم، ولكنّ تولستوي بقي صامتاً !

كان متزمّتاً دينيّاً، ويعيش حياة عزوبيّة، نباتيّاً ، تقريباً قدّيس

سأل الصّديقان : تولستوي لماذا أنت صامت ؟!

أجاب : لا أستطيع أن أقول أيّ شيئٍ عن النّساء، بل سأقول شيئاً واحداً ليس الآن، ولكن إذا اقتربتُ من القبر، سأضع قدماً واحدةً في القبر، وسأقول ما لدي، ثم سأقفز بالقبر !

تستطيع أن تدرك الآن .. أنّه كان هناكَ شيئٌ ما في الدّاخل وصلَ إلى حدّ الغليان ؟! 

ولسوفَ تستوعب أنّه ليس هناك أيّ نوعٍ من الحميميّة مع رجل يشبه تولستوي !! 

 

 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كلُّه نكتة كونيّة \ روبرت أدمز

رسالة دوستويفسكي إلى اخيه ميخائيل بعد أن نجى من الاعدام بأعجوبة

قبل بزوغ الشمس \ فريدريك نيتشه

الإرتباك الوجودي الذي ينجم عن حالة الملل

على الطريق \ فريدريك نيتشه

قرد في الأكاديمية \ فرانز كافكا

كتاب مت فارغا \ تود هنري

هل الوعي حرٌّ؟ آناكا هاريس

الجمر البري \ نيكيتا جيل

تجنب الألم \ فيليب فان دان بوسش