الروائي ستيفان زيفايج " كازانوفا "
ان كل فنان حقيقي يعيش الجانب الاكبر من حياته منعزلا ، منطويا علي نفسه ، في صراع متصل مع عمله الابداعي .. وهو صراع يقتضيه الا يفرغ للتجربة المباشرة للحياة ، بل للتجربة غير المباشرة ، تجربة الحياة في خضم المخيلة .. لا يستطيع أن يمنح جماح نفسه للحياة ولذاتها المباشرة الصافية الا انسان بلا أبداع .. الحياة عنده غاية ، لا مجرد وسيلة للفهم والاحساس والخلق الفني . الفنان والشهوان لهما هدفان متعارضان : الفنان يطلب ما هو حق ، وما هو نور .. والشهوان يطلب ما هو حس ، وما هو حرارة .. الفنان يطلب ما هو باق .. والشهوان يطلب ما هو عارض .. وما جعل الله لامري من قلبين في جوفه .. ولن يخدم المرء سيدين في وقت واحد .. لذا كان علي من ينشد غاية ان يوجه كل طاقته الي بلوغها ، متخليا عن غيرها من الغايات . وقد اختار " جيته " و " روسو " ومن اليهما غاية الفكر والفن ، وأستأثر " كازانوفا " بغاية اللذة .. وكل ميسر لما خلق له ..! والمعهود في طلاب اللذات العارضة ، والمسرات اليسيرة ، ان يكونوا علي نقيض أرباب الفنون الموهوبين .. فهم عاجزون عن وصف تجاربهم ذات الاصداء والاطياف المتباينة ، وهذا طبيعي ، لانهم يلقون بمجموع أنفسهم في موجة اللحظة التي يعيشونها ، ويستخلصون منها أقصي عصارتها الحسية بما يعتصرون ذواتهم فيها .. وبذلك يفقدون أنفسهم في نفس الافعال التي ينهلون بها خمر اللذات . وهكذا تتشعب الغايات ، ويتسع البون بين الفريقين من المجربين : مجربي الفكر ومجربي الحس .. الاولون لديهم الكأس وتعوزهم الخمر ، والاخرون لديهم الخمر وليست لديهم الكأس!
تعليقات
إرسال تعليق