رسائل كافكا إلى ميلينا
" في هذه اللحظة أنا مشتّت وحزين ، أضعت برقيتك ، كيف حدث ذلك لا يمكنها أن تضيع ! إن ذلك سيئ ، إنني أبحث عنها، إنه خطؤك أنت ! لو لم تكوني بمثل ذلك الجمال لما اضطررت أن أحملها طوال الوقت معي " هذا مجتزأ من رسالة بعثها كافكا في 31 تموز (يوليو) 1920 إلى ميلينا فور سماعه بنبأ مرضها ، وفيها يتحدّث كافكا عن المرض مسهباً بعد المقدمة المجتزأة آنفة الذكر : « والآن ماذا قال عن الالتهاب على رئتيك ؟ لا أتوقّع أنه نصحك بالصيام أو حمل الأمتعة ؟ وهل نصحك بأن عليك أن تتحسّني لأجلي ؟ أم إنه لم يذكرني إطلاقاً ؟ » . كمّ الأسئلة في الرسائل المدوّنة عظيم ، لا تكاد تخلو رسالة من سؤال ! صحيح أنّه أمر بديهي في أي رسالة ، لكن مع كافكا تغدو المسألة أعمق ، فأسئلة كافكا تدور حول أشياء يعتقد القارئ لأعماله الأخرى أنه مُقدمٌ على كتابة الأجوبة على تلك الرسائل في شكل نصٍّ سردي . هذا ما يجعل التأمّل في لحظات كتابة كافكا لتلك الرسائل وحالته النفسانيَّة أمراً ملغزاً ودونما فائدة من دون استعمال التخيّل واستحضار جمال ميلينا التي التقاها للمرة الأولى في فيينا ، لتصبح فيما بعد المتنفس والحلم الأكبر لكافكا أو ربما مخزناً يحافظ على أسراره وحبّه اللامنتهي . المزاج المتقلّب لكافكا بين الرسالة والأخرى هو السمة الأكبر المضافة إلى الرسائل ، هذا ليس غريباً على رائد السوداوية والكابوسيَّة في الكتابة . الكوابيس واضحة في الرسائل وضوحاً شديداً . الهذيانات الواردة تفصح عن الحالة ( الكافكاويَّة ) المعتادة : « دائماً تريدين معرفة إن كنت أحبّك ميلينا ، ولكنّه سؤال صعب الجواب . لا يمكن الإجابة عنه في رسالة ، ليس حتّى في رسالة الأحد الماضي . أضمن أنني سأقول لك الجواب حين نتقابل المرة القادمة - إن لم تخُني عباراتي - لكن لا يجب أن تراسليني عن قدومي إلى فيينا ، فلن أتمكّن من ذلك ، فكلما ذكرت ذلك ، أشعر كأنك تشعلين ناراً في جلدي ، والتي هي أصلاً محرقة ، ودائماً تحرق وتحرق لكنها لا تُحرق ، بالحقيقة أشعر كأن الشعلات تزداد ، وأنا واثق من أنك لا تريدين ذلك » . أن تكون الكتابة .. الكتابة وحدها .. مركز التفكير لدى الإنسان ، هذا ما حاوله كافكا أثناء كتابة تلك الرسائل . المركزية الشعوريَّة هي الكتابة أو ربمّا نسيان كلّ أمر حياتي والخوض في غمار التدوين لأجل خلاصٍ ما .
تعليقات
إرسال تعليق