فيودور دوستويفسكي / من رواية الشياطين
هناك لحظات تدوم خمس ثوان أو ستاً تحس أثناءها فجأة بحضور الإنسجام الأبدي, وبأنك بلغت هذا الإنسجام الأبدي . ليس ذلك شيئاً أرضياً : لا أقول أنه سماوي, ولكنني أقول أن الإنسان من جانبه الأرضي عاجز عن إحتماله . فيجب أن يتغير جسم الإنسان أو يموت . إنه شعور واضح, لا جدال فيه, مُطلق . تدرك الطبيعة كاملة على فجأة, وتقول لنفسك: نعم , هذا هو, هذا حق. حين خلق الله العالم كان يقول في آخر كل يوم : " نعم , هذا خير, هذا عدل;هذا حق". ليس ذلك نوعاً من ترقق العاطفة والحنان . إنه شيء آخر . إنه فَرح . وأنت عندئذ لا تغفر شيئاً, إذ لا يبقى ما تغفره . وليس ذلك حباً . آه... إنه فوق الحُب . الأمر الرهيب هو أنه واضح وضوحاً مخيفاً مُروعاً . غيرَ أن فرحاً واسعاً يغمر كل شيء ! لو دام أكثر من خمس ثوانٍ, لما إستطاعت النفس أن تتحمله ولكان عليها أن تزول . في هذه الثواني الخمس أحيا حياةً بكاملها, وإني لمستعد في سبيلها أن أهب حياتي كلها ... لأن هذه الثواني الخمس تساويها . من أجل أن يستطيع المرء إحتمال ذلك عشر ثوان يجب أن يتغير جسمه . وأظن أنه يجب على الإنسان أن يَكف عن التناسل . لماذا الأطفال, لماذا نمو الإنسانية, إذا كانت الغاية قد بُلغت ؟ لقد جاء في الإنجيل أن البشر لن يلدوا بعدَ البعث في الحياة الآخرة, وأنهم سيكونون جميعاً كملائكة الله .
تعليقات
إرسال تعليق