دوستويفسكي مذلون مهانون
أما آن لهذه الشمعة أن تنطفئ ؟ سؤال تبادر إلى ذهنه بينما يرقد على سريره في غرفته وحيدا ، يلفظ أنفاسه الأخيرة مسلطا عيناه المجهدتين على شعلة الشمعة المتراقصة كان يراهن نفسه أنه مع إنطفاء هذه الشمعة ستنتهي معاناته ، و توضع نقطة النهاية لحياته . حاول أن ينهض عن سريره ، يريد أن يذهب إلى مكتبه الصغير كي يخرج مخطوطات رواياته ويتأملها ويقضي أخر لحظاته بصحبة أبطالها ، الأبطال الحقيقين أحيانا والخيالين أحيانا أخرى . إبتسم فور تذكره لرهانه القديم مع نفسه بأنه سوف يموت وحيدا يوما ما بينما يتصفح كتاباته وها هو يكسب الرهان . داعب الأوراق بأنامله قربها من أنفه كي يستنشق رحيقها ، دموعه الساخنة ترقرقت وإنهمرت على خديه الشاحبين ضم الأوراق إلى صدره محدقا إلى سقف الغرفة ، وبدأ يسترجع أحداث الرواية حكايته معهم ؛ مع أقرب خلق الله إلى قلبه . تذكر أليوشا ذالك الشاب السادج طيب القلب المسلوب الإرادة حث في الحب ، الشاب الذي عذب قلبه الشاب وعذب قلوبا أخرى معه ، شاب لا يدرى هل يحب أم يكره ، أيحب على قلبه البريئ الذي لا يخلو من طفولة صادقة و فطرة نقية وحب صافي أم يكره على ضعف إرادته و خنوعه لوالده ، آه يا أليوشا كم أرهقت كل من أحبوك و أرهقت كل من قرأ حكايتك . بينما يخرج تنهيدا حار متزامن مع المزيد من الدموع المنهالة على وجهه حضرت نتاشا مستحويذتا على عقله و مسيطرتا على خفقات قلبه المنهك ، نتاشا التي أحبها من كل قلبه ، كم كانت جميلة بخوفها الدائم من العالم و البشر ، بحذرها من كل غريب خشيت أن تتعرض للأذى ، ببرائتها و بحبها طفولي . إنها الحياة بين ضفتي الكتاب ، قلوب تنبض بالحب و الألم بين السطور ، وفاء وغدر خير و شر ، و بشر مذلون مهانون لا بسب غدر الزمان ولا بغدر من حولهم و إنما بسب غدر قلوبهم لهم ، قلوبهم التي خرجت عن طوعهم جميعا و قادتهم إلى ما صاروا إليه ....
تعليقات
إرسال تعليق