الوجود مُعاناة


 

"ربما.. تحت كل شيء.. هُناك ألَمٌ لا مَفَر مِنه".

بِصفتي أعمل مُعالِجاً.. فأنا على دِراية بألَم الكثير من الناس.. ويُخبرني العديد من طلابي أنهم لَن يتمكنوا من أن يُصبِحوا مُعالجين.. لأنهم لا يَشعرون أن بإمكانهم التعامل مع الإستماع إلى آلام الآخرين.. ولأن لا أحد يأتي للعلاج بسبب أن حياته رائعة وخالية من الألم..

لذلك فالمُعالج في بَعض الأحيان سَ يَسكُن في مُعاناة الآخرين.. ويُضيف لِ نَفسهِ المَزيد من الألم إلى ما يتعايش معه مُسبقاً..

لكن النقطة الأساسيّة بأن الجميع يَتعاملون مع شيء مؤلم.. وربما هو ذات الألمْ لكن بأشكال مُختلفة..

العديد مِن الأديان تدعوا الناس إلى تَقبّل الحياة على أنها صعبة ومؤلمة.. وأنه ستكون هُناك مُكافآت في "الحياة الآخِرة!".. وأن عليهم أن يَتعاملوا مع قسوة الحياة ويَنتظرون مُكافآتهم..

وهذا دليل إضافي على أن الألمْ مُتأصِل في الحياة والوجود.. وأن الجميع يُعاني..

لكن في "البوذيّة" يختلف الأمر.. لِعَدَمْ إدِّعاء حياة آخرة.. ولأنه في أحد قوامِها.. ترجمة حقيقيّة ونبيلة..

وَ هِيَ إدراك أنه حتى في المُتعة هُناك مُعاناة.. لأننا نعرف أن هذه المُتعة ستنتهي..

قال -فرويد- : "أفضل ما يُمكن أن نأمله هو الرؤى التي تركتنا نشعر بالتعاسة المُشتركة والعادية اليومية".

أيّ أنه تحت كُل شيء هناك فراغ وعزلة مُشتركة لا يُمكن إنكارهما.. وَوَعيُنا بذلك سيكون مؤلماً..

لكن ربما عَلَينا ببساطة تَقَبُّل أن الحياة صعبة ومؤلمة..

وأنه يوجد قدر كبير من الألم في الحياة.. وأنه تحت كُل شيء يوجد فراغ.. وهذا الفراغ يُساوي الألم.. وعلينا قبول هذا فقط..

كُل ما نقوم بِه في حياتنا هو مُجرّد تشتيت إنتباهنا عن هذا الألم.. وَنُلهي أنفسنا عن هذا الفراغ الذي لا معنى له بأكمله..

مِن خلال العمل.. خلق الأهداف.. تصديق المعتقدات الدينية.. شراء الأشياء.. الإدمان.. وأيّ نشاط نُشرِك فيه أنفسنا..

هذا السلوك القهري لتجاهل حقيقة أننا سنموت وَحدنا وأن لا معنى لِكُل هذا..

هِيَ فقط مُحاولات لِتجنب الألم الظَرفِي الذي نُعاني مِنه.. والمُشكلة تكمن في من لا يُدركون هذا.

قد تتساءلون الآن لماذا أُحاول أن أُحبطكم بكل هذا القلق الوجودي..

في الواقع أنا لست كذلك.. فقط أُحاول أن أجعلكم على إتصال بما هو موجود بالفعل ومعرفة حقيقته.. وعدم الإنخراط في سلوك قهري "لاشُعوري"..

لا مُشكلة في إنخراطك بِعوامل التشتيت التي تجعل الحياة ممتعة.. لكن دون أن تخدعك..

وتَقبّلُك للألمْ وَ لِهذا الفراغ.. سيَجعلها أكثر حيويّة..

لست وَحدك الذي تُعاني.. الجميع كذلك..

الألم مُتأصل في الحياة..

لكن الناس في عجلة مِن أمرهم مِن أجل مُمارسة الأنشطة اليوميّة للحياة.. وإلهاء أنفسهم عن هذا الفراغ المؤلم الذي يشعرون بِه.. دون وضع أيّ إعتبار للألمْ الذي قد يَشعر بِه الآخرون..

من الجيّد تقبّل هذا الألم الشخصي و الوَعي بِه.. وبالتالي سندرك ألمْ الآخرين.. وبذلك سيستفيد الجميع ونعيش هذا التشتيت بِمُتعة أكثر إلى أن ننتهي..

وكما قال -رام داس- : "كُلنا فقط نَتجَوَل في ذات المَنزل!"

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة دوستويفسكي إلى اخيه ميخائيل بعد أن نجى من الاعدام بأعجوبة

قبل بزوغ الشمس \ فريدريك نيتشه

الإرتباك الوجودي الذي ينجم عن حالة الملل

الجمر البري \ نيكيتا جيل

تجنب الألم \ فيليب فان دان بوسش

على الطريق \ فريدريك نيتشه

هل الوعي حرٌّ؟ آناكا هاريس

كتاب مت فارغا \ تود هنري

تسلية أنفسنا حتى الموت \ نيل بوستمان

عندما تحب روحًا عتيقة \ لويزا فليتشر