السمان والخريف \ نجيب محفوظ
ما رغبت فيه يوما هو ألا أكون جلادا ولا ضحية، ألا أكون سجينا في بيت ضيق رفقة امرأة حزينة تبحث عن التوفيق بين نظرة المجتمع وكراهيتها لي وللملل والسأم اليومي، ولا عجوزا لصيقا بمراهقة تنضج على حساب وقتي وأعصابي.. كنت أريد أن أكون « حرا » في اختيار سجني، لكن ما لم أستوعبه ساعتها هو أن أولئك « العظماء » الذين هربت من تقليدهم، كي لا أبدو سخيفا، لم يريدوا شيئا أعقد ولا أكثر مما أردت: « الحرية » فقط ولو في نطاق ضيق. حرية أن يبحثوا في الأشياء المجردة حول الكون والإنسان والتاريخ واللغة والطبيعة والموسيقى دون أن يضطروا للخوض في تفاهات الحياة اليومية الصغيرة بسبب مصيدة البيولوجيا، لكن النساء كان لهن رأي آخر، إذ يقتصر وجودهن على فرملة تطور النوع البشري، فالمرأة لا تتصور نفسها تساهم في شيء ما يتجاوز نزعة التكاثر وفي أحسن الأحوال صناعة الخداع، لأن الطبيعة صنعت من أغلبهن غسالات صحون وأكياسا لحمل الأطفال. ما جعلني أفشل في أي علاقة لم يكن هو الخداع ولا الملل، كانت تلك مجرد مصادفات محظوظة لإنهاء تلك المهازل، الدافع العميق كان هو اعتيادي على الوحدة والهدوء، على الليالي البيضاء مع كتاب أو سفر مفاجئ أو مغازل...