الكوميديا الالهية \ دانتي
وجدت نفسي على الحافة من وادي الهاوية الاليم، المتلقى لدوي صرخات لا تنتهي، عميقاً كان ومُلبداً بالسُحب المُكفهرة، حتى اني حينما حدقتُ ببصري في أعماقه، لم أتبين فيه شيئاً. هنا الطريق المؤدي الى مدينة العذاب، الى الألم الأبدي، هُو ذا الطريق المؤدي الى القوم الهالكين.
لم يُخللق قبلي شيئا سوى ما هو أبدي، واني باقٍ للأبد، أيُها الداخلون ! أطرحوا عنكم كُل أمل.-
هذه الكلمات رأيتُها مكتوبة بلونٍ داكن، في ذروة بوابة عملاقة، فقلت :
"مُرشدي، ان معاني هذه الكلمات لقاسٍ على نفسي."
فأجابني جواب خبير :
"هُنا ينبغي ان تطرح عنك كُل شك، هُنا ينبغي ان يموت كُل خوف، فها قد وصلنا الى المكان الذي أخبرتك انك سترى فيه جميع الاقوام المُعذبة."
دوى عند دخولنا تنهدٌ وبُكاء وصراخ عالٍ وسط جو مُكفهرٍ بغير نجوم. لغاتٍ غريبة، وصرخاتٍ رهيبة، وكلمات أسىٰ، وصيحاتُ غضب، واصوات صماء عالية، ترافقها لطمات أيادي.مُحدثاً ضجيجاً مُفزعاً يدور على الدوام، في هذا الجو الابدي الظلام، كذرات الرمال عندما تعصِفُ بها هوجاء الاعاصير. فقلت وقد حفّت برأسي طيور الرُعب:
" ما هذا الذي أسمع ؟ أي ألمٍ مرير يحملهُم على هذا البكاء العنيف ؟
فاجابني :
"ان هؤلاء هُم التُعساء المكروهين من الله ومِن أعدائه."
وبطرفٍ غضيض ساده الحياء، رأيتُ شيخاً عابسٌ ذا شعرٍ عتيق، يأتي في سفينة نحونا، وهو يُصيح :
" ويلٌ لكُما إني أتٍ لكما؛ كي أقودكما الى الضفة الاخرى، إلى الظُلمات الأبدية في النيران والجليد."
فسار بهم الملاح الذي كانت حول عينيه حلقاتٍ من لهب، فوق ذاك المُستنقع الطافحة أمواجه الداكنة بتلك النفوس العارية المُعذبة. فتلاصقت كلها معاً، وهي تبكي بمرارة على جوانب القارب وقد اصطكت اسنانها. وكما تتساقط اوراق الخريف واحدة بعد الاخرى، حتى يرمى الغصن بكل اوراقه على الارض. كذلك قذف المسافرين عن الزورق الذاهب نحو الضفة الاخرى المُظلمة، لسلالة أدم الخبيثة البشعة الوجوه كُلما حاولوا الالتصاق به.
تعليقات
إرسال تعليق