المشاركات

الوجودية مذهب إنساني \ جون بول سارتر

صورة
  الإنسان ليس قبل كل شيء، إلا مشروعا يعيش بذاته و لذاته. و هذا المشروع سابق في وجوده لكل ما عداه… فالإنسان هو ما شرع في أن يكون، لا ما أراد أن يكون. لان المعنى العادي للإرادة هو كل ما كان قرارا واعيا،و هو بذلك لاحق بوجوده لقرار سبقه. فانا أستطيع أن أريد الانتساب لأحد الأحزاب، أو أريد تأليف كتاب أو أريد الزواج، و كل ذلك ليس إلا مظهرا من مظاهر اختيار أصلي أكثر بساطة و أكثر طبيعية مما نسميه إرادة. فإذا كان الوجود يسبق حقيقة الجوهر فالإنسان إذن مسؤول عما هو كائن. فأول ما تسعى إليه الوجودية هي أن تضع الإنسان بوجه حقيقته، و أن تحمله بالتالي المسؤولية الكاملة لوجوده. و عندما نقول إن الإنسان مسؤول عن نفسه لا نعني أن الإنسان مسؤول عن وجوده الفردي فحسب بل هو بالحقيقة مسؤول عن جميع الناس و كل البشر. إن لكلمة “ذاتية” معنيين  إن أعداءنا يسيئون استعمال هاتين المعنيين عن قصد، إن كلمة “ذاتية” تعني من جهة أولى : انتقاء الفرد بنفسه و من جهة أخرى تعني : استحالة تامة تواجه الإنسان إذا أراد أن يتعدى ذاتيته. و إن المعنى الأخير هو المعنى العميق الذي تعتمده الوجودية… عندما نقول إن الإنسان يختار نفسه نعني بالت

الألم \ تشيخوف

صورة
  رائعة تشيخوف عن الألم: تتحدث عن فلاح عجوز ـ إنسان ـ حمل زوجته المريضة في المقعد الخلفي من العربة التي يجرها حصان هزيل، حملها إلى المدينة البعيدة لعلاجها. وفي الطريق الطويل، بدأ الرجل يتحدث، يفضفض، كأنما يناجي نفسه، ولكنه في الوقت نفسه يواسي زوجته المريضة، التي عاشت معه طوال أربعين عاما في شقاء وبؤس ومعاناة تكد وتكدح، تساعده في الحقل، وتتحمل وحدها أعباء البيت الآن.. أحس أنه كان قاسيا معها طوال السنوات الماضية، وأن عليه، الآن، أن يعاملها بلطف ولين، وأن يُسمعها الكلمات الطيبة، وقال لها إنه ظلمها، وأن الحياة أيضا ظلمتها، لأنه لم يجد الوقت، في حياته اليومية، ليقول لها كلمة طيبة حلوة وعذبة، أو يقدم لها ابتسامة صافية رقيقة كالماء أو يعطيها لحظة حنان! وظل الرجل يتحدث بحزن وأسى، طوال الطريق، والكلمات تحفر لها في النفس البشرية.. مجرى، كما يحفر الماء المتساقط على الصخر.. خطوطا غائرة. ليعوضها ـ بالكلمات ـ عما فقدته خلال الأربعين عاما الماضية، من الحب والحنان ودفء الحياة الزوجية وأخذ يقدم لها الوعود بأنه سوف يحقق لها كل ما تريده وتتمناه في بقية عمرها عندما وصل المدينة، نزل من المقعد الأمامي ليحمل

من دروس الفلسفة الوجودية

صورة
  كان "جان فال" الفيلسوف الفرنسي المعاصر خارجاً من قهوة ( فلور ) في باريس حينما التقى به بعض الطلبة وسألوه : بالتأكيد أنت الاستاذ الوجودي ؟  فأجاب على التو : لا. واتجه في طريقه غير مبالّ بهؤلاء الشبان ومعاكساتهم المستمرة لجماعة المفكرين الأحرار. ولكنه لم يأخذ مكانه المريح إلى جوار المدفأة في بيته، حتى استعاد في ذاكرته ما مر به أثناء مقابلته لهؤلاء الشبان، وراح يتساءل عن السبب المباشر الذي دعاه لأن يجيب بالنفي حينما سئل هل أنت وجودي أم لا ؟ إذ الواقع والمعروف أن (جال فال ) من المنتمين لهذه الفلسفة بأفكاره وكتاباته، بل ويعد من أهم المؤرخين لها على ندرتهم. فانتهى تفكيره وتعليله إلى سبب قريب : فهو لم يملك الوقت لإعمال الذهن في إجابته حينما قوبل فجأة بهذا السؤال، ولكنه لاشعورياً كان يحس بالابتذال في الكلمات المنتهية بالياء المشددة دلالة على الانتساب إلى جماعة بالذات أو مهنة معينة. فهذه الكلمات تبدي برأيه تعميماً مبهماً. إذ أن الفلسفة الوجودية إنما جاءت مناقضة لتلك الحركات الجماعية وتلك الفلسفات التي تدعو إلى صب الناس في قوالب معينة، من ناحية الاعتقاد والتفكير وأسلوب الحياة ونوع ال

رسالةٌ في التحلُّل \ إميل سيوران

صورة
حقائقنا ليست أكثر قيمةً من حقائق أسلافنا. أحللنا المفاهيم محل أساطيرهم ورموزهم فإذا نحن نعتقد أننا «متقدمون». إلّا أنّ تلك الأساطير والرموز لا تعبر إطلاقا عمّا هو أقل من مفاهيمنا. شجرة الحياة، الثعبان، حواء والفردوس، تعني بقدر ما تعني: الحياة، المعرفة، الغواية، اللاوعي. التصورات الملموسة للشر والخير في الميثولوجيا تضاهي من حيث العمق تصورات الشر والخير في الإيطيقا. لا يتغير العلم أبدًا من حيث العمق: وحدهُ الديكور يتغيّر. يتواصل الحب من دون فينوس والحرب من دون مريخ، وإذا كانت الآلهة قد كفّت عن التدخل في الأحداث، فإن الأحداث لم تصبح أكثر وضوحا ولا أقل تحييرا: كل ما حدث أن جهازًا كاملاً من الصّيغ حل محل مضخّة الأساطير القديمة، دون أن يتسبب ذلك في أي تحوير لثوابت الحياة البشرية، التي عجز العلم عن إدراكها بعمق أكثر مما فعلت الروايات الشعريّة. ليس للعُجب الحديث حدّ: نعتقد أننا أكثر تنويرًا وعمقًا من القرون الماضية كافة، ناسين أن تعليم بوذا وضع المخلوقات أمام مسألة العدم، تلك المسألة التي يخيل إلينا أننا اكتشفناها لأننا غيرنا حدودها وأدخلنا عليها شيئا من سعة العلم. لكن هل من مفكر غربي يتحمل ال

مهزلة العقل البشري \ علي الوردي

صورة
  يحكى أن قرويا ساذجا جاء إلى بغداد لأول مرة في حياته فمر بدكان لبيع الحلوى...ذهل القروي حين رأى تلك الحلوى اللذيذة مصفوفة في واجهة الدكان وصاحب الدكان جالس بجانبها ساكنا لا يأكل منها شيئا! ظن القروي أن صاحب الدكان أعمى لا يرى هذه اللذات المتراكمة حوله. ولكنه وجد بعد الفحص أنه ليس أعمى. فازدادت دهشته! إنه لا يستطيع أن يتصور إنسانا يجلس بجانب حلوى ولا يأكل منها ! وسبب ذلك أن هذه الحلوى ناذرة في القرية التي جاء منها. ولعله لم يأكل منها إلا مرة واحدة في حياته. وذلك في عرس ابن الشيخ. ولا شك بأنه شعر بلذة قصوى حين أكل منها. وقد دفعته سذاجته الى الظن بأن الحلوى تعطي آكلها لذة قصوى كل ما أكل منها. ولا فرق في ذلك بين من يأكل منها قليلا أو كثيرا. ولهذا وجدناه مذهولا عند رؤية رجل يجلس بجانب تلك الحلوى وهو ساكن وهادئ لا يسيل لعابه كأنه جالس بجانب الطين والقصب! وما حدث لهذا القروي الساذج يحدث لكل منا في وقت من الأوقات. فإذا رأى أحدنا فتاة جميلة وهي تمشي بالشارع ظن أنه سيكون أسعد الناس اذا اقترن بها أو قبلها على أقل تقدير. إنه يتوهم ذلك في الوقت الذي نجد فيه زوج الفتاة قد مل منها وكاد يلفظها لفظ ال

شجرة الحياة \ إميل سيوران

صورة
  ليس من صالِح الإنسان أن يتذكَّر في كلِّ لحظةٍ أنّه إنسان. وإذَا كان الانكبابُ على الذات أمرًا سيّئًا فإنّ الانكبابَ على الجنس البشريّ بحماسةِ مهوُوسٍ أمرٌ أسوأ: إنّه يعني أن ننسب إلى متاعب الاستبطان الاعتباطيّة أساسًا موضوعيًّا ومبرّرًا فلسفيًّا. في وسعِ كُلٍّ منّا التعلُّل بالتفكير في أنّه يستسلم لنزوةٍ، مادامَ يجترُّ أناه. لكنْ ما إن تصبح الأنواتُ كافّةً محْوَرَ اجترار لا نهاية له، حتى نقف جميعًا بشكْلٍ غير مُباشرٍ على سلبيّات شرطنا وقد عُمِّمَت، وعلى حادثتنا الخاصّة وقد أُنْزِلَتْ منزلةَ المعيار والحالة العامّة. نبدأ بإدراك الطابع الشاذّ لوجودنا كواقعٍ خام. بعدئذ نشعر بشذوذ وضعنا النوعيّ: إنّ دهشتنا من أن نكون تسبق دهشتنا من أن نكون بشرًا. إلاّ أنّ من المفترض أن تُمثِّلَ غرابةُ وَضْعِنا المُعطَى الأساسيّ لحيراتنا: أن نكون بشرًا أقلُّ طبيعيّةً من أن نكون فحَسْب. نشعرُ بذلك غريزيًّا. من ثمَّ تلك اللذّةُ التي نحسُّ بها كُلَّما أَعْرَضْنَا عن أنفُسِنا لِنَتَماهَى بِنَوْمِ الأشياء الهانئ. لسنا نحنُ حقًّا إلاّ حين نقفُ وجهًا لوجهٍ مع ذواتنا فلا نتطابقُ مع شيء، ولا حتى مع فرادَتِنا. هذه

الوعيُ كمنفى \ إميل سيوران

صورة
   يقول سيوران : " من الأفضل أن أكون حيواناً بدل إنسان ، وحشرةً بدل حيوان ، ونبتةً بدل حشرة ، وهكذا دواليك.. ". إذا كان الإنسان الكائن الوحيد الذي يتميَّز بالعقل ، فإن سيوران يمقُت هذه الميزة ، لأن الوعي الذي يفرزه هذا العقل هو سرُّ الشقاء في هذه الحياة. يقول : "الجهل وطن و الوعيُ منفى".   الوعي لعنة مزمِنة ، كارثةٌ مهولة. الوعي هو الذي يجعلنا نُدرِك خُبثَ هذا العالم ، بمجرِّد أن نعي هذا العالم ، فإنه سرعان مايسبب لنا ذلك الوعي شقاءً مزمِناً. وكما يقول "المتنبي" : "ذو العقلِ يشقى في النعيم بعقلهِ...وأخو الجهالةِ في الشقاوة ينعمُ "  من على قمم العقل تبدو لنا الحياة كلها كمرضٍ عضالٍ والعالم كلمجأ مجانين. الوعي شرخٌ وخِلاف مع العالم. إنه ليس مجرّد شوكة ، بل خنجر مغروس في عمق الجسد. ألا يتوق الإنسان إلى العودة إلى الوضع الذي كان عليه قبل الوعي ؟ أليس الأطفال أكثر سعادةٍ غالباً من البالغين ؟ لنرفع الكؤوس على نخب الجهل ، لنسكر ، لنفلت من حالة الوعي !. ألا يقول لنا "باسكال" : "إن في قنينة النبيذ من الفلسفة مايفوق كل مافي الكتب" ؟! -

التأملات \ ماركوس أوريليوس

صورة
  ثمة طريقة سوقية ولكنها مُسعفة لك في أن تضع الموت في حجمه الصحيح: وهي أن تستعرض في ذهنك قائمة بأولئك الذين تشبثوا بالحياة لفترة طويلة. ماذا ربحوا من ذلك أكثر مما ربح من مات مبكراً ؟ من المؤكد أنهم يرقدون الآن جميعاً في قبورهم. وأمثالهم من الذين ساروا في جنازات كثيرة ثم جاءت جنازة كل منهم. ما أقصر المسافة بين الميلاد الموت. أنظر أي عناء نحتمله في هذه المسافة، وأي صحبةٍ تكتنفنا فيها ومع أي صنف من الناس، وفي أي جسد واهن نقطعها في جهدٍ جهيد. ليست الحياة إذن بالشيء الثمين. أنظر إلى هول فجوة الماضي من وراءك وإلى اللانهاية الأخرى من أمامك. ما الفرق من هذا المنظور بين رضيع عاش ثلاثة أيام وانسان آخر عاش ثلاثة أجيال؟.

ما وراء الخير والشرّ \ نيتشه

صورة
  هل سيكون هؤلاء الفلاسفة المستقبليون أصدقاء للحقيقة هم أيضاً؟ من المحتمل جدًّا: إذ كُلّ الفلاسفة كانوا محبين لحقائقهم حتَّى الآن. لكن من المؤكَّد أنَّهم لن يكونوا دوغمائيين. سيكون ذلك منافيًا لكبريائهم، ومما لا يناسب ذوقهم أيضًا، إذا ما أُريد لحقيقتهم أن تكون حقيقة للجميع؛ وتلك هي الأمنيّة والفكرة السرِّيّة التي ظلَّت تسكن طموحات الدوغمائيين حتَّى الآن. ”حُكمي هو حكمي الخاصّ؛ ولا يمكن لغيري أن يدّعي بكلّ بساطة حقًّا لهُ في ذٰلك“، قد يقولُ ذٰلكَ فيلسوف مُستقبليّ. علينا أن نتخلَّص من الذوق السمج الَّذي يتمثل في إرادة أن نكون على اِتفاق مع عدد كبير من الناس. ما هو ”خيرٌ“ لن يظلَّ ”خيرًا“ إذا ما جرى على لسان جاري. وكيف يمكن أن يكون هناك ”خيرٌ عُموميٌّ!“.  فالعبارة هٰذه تُناقِضُ ذاتها في ذاتها؛ إذ ما يمكن أن يكون عموميًّا يكون قليل القيمة دومًا. وبالنهاية، ينبغي أن تظلَّ الأمور على ما هي عليه وما كانت عليه دومًا: الأشياء العظيمة للعُظماء، والأعماق للعميقين، والأشياء الليّنة والرَّقيقة للأرواح الرَّقيقة، وعمومًا وباختصار: كل ما هو نادر للنادرين.   

بيدرو بارامو \ خوان رولفو

صورة
  رواية بيدرو بارامو لخوان رولفو  رواية صغيرة الحجم لكنها أثرت كوحش على عشرات الروائيين. قال غابرييل غارسيا ماركيز إنه شعر بالعجز عن العمل كروائي بعد أن كتب أول أربعة كتب له وأن اكتشافه الذي غير حياته لبيدرو بارامو في عام 1961 هو الذي فتح طريقه لتكوين تحفته ‏مائة عام من العزلة. علاوة على ذلك ، ادعى غارسيا ماركيز أنه "يمكنه قراءة الكتاب بأكمله ، للأمام والخلف". اعتبر خورخي لويس بورخيس بيدرو بارامو أحد أعظم النصوص المكتوبة بأي لغة. أثرت هذه الرواية تأثيرًا حاسمًا على مسار رواية أمريكا الجنوبية لا سيما اتجاه الواقعية السحرية الذي عرف ‏"خوان رولفو" بأنه بمثابة الأب الروحي له. قال عنها بورخيس  إن بيدرو بارامو واحدة من أفضل الروايات في الأدب الإسباني، بل الأدب العالمي ككل. اقتباس من الرواية :  _‏ونحن هنا وحيدون تمامًا. نموت من أجل التعرف ولو على قدر ضئيل من الحياة. _‏هذا العالم يضغط على أحدنا من كل الجهات، ويفرغ حفنات من غبارنا هنا وهناك، ويحللنا إلى فتات وكأنه يرش الأرض بدمنا. ما الذي فعلناه؟ - ما أحوال أمك؟ - لقد ماتت. - ومم؟ - ربما حزنًا، كانت تتنهد كثيرًا - كل تنهيدة

الإنسان والتقنيّة \ اِشبنجلر

صورة
    كانَ الإِنسانُ، وما زالَ، سَطحيًّا أَضحَلُ، وجَبانًا لدرجةِ أنَّهُ لَم يَتحمَّل حقيقةَ موتِ كُلِّ شيء حَيّ. إنَّهُ يُلَّحِّفُ هٰذه الحَقيقةَ بِلِحافِ التفاؤل الورديُّ للتَّقدُّم، إنَّهِ يُكوِّمُ عليها زُهورَ الفُنون والعُلومِ والأَدَبِ، لاجِئًا وراءَ مَلجَأ المُثُل العُليا حتَّى لا يُبصِرُ شيئًا. لٰكِن، الفاني هو شكلُ كلُّ ما هو حَقيقي، مِن الولادة والوفاة، مِن النُّجومِ الّتي لا يُحصى مصيرها، وصولًا الىٰ اِلتقاءات سريعة الفناءِ على كوكبنا. إنَّ حياةَ المرءِ -سواءَ أكانَ حيونًا أو نباتًا أو إنسانًا- فانيَّةٌ شأنُها شأنُ الأُمَّمِ والثقافات. إنَّ كُلّ خَليقةٍ محكومٌ عليها مُسبقًا بالفناءِ، كُلُّ فكرةٍ، وكُلُّ اِكتشافٍ، وكُلُّ عَمَلٍ سَيَطواهُ النِّسيانُ.  هُنا، وهُناك، وفي كُلِّ مكانٍ نَحنُ مُدرِكونَ لمسارات التَّاريخ المَنكوبَة الّتي اختفت. أطلال الخلائِق والمكوِّنات ”الَّتي كانت“ للثقافات الفانيّة الّتي تكمنُ في كلّ شيء عنّا. ماذا عن عجرفةِ بروميثيوس؟، ذاكَ الَّذي أدخلَ يدهُ في السّماءِ لغرضِ إخضاع القوى الإِلهيّة للإنسانِ، كانَ يحملُ معهُ سُقوطهُ. ماذا، إذن، من الثَّرثَرَةِ حولَ

الوجودية مذهب إنساني \ جون بول سارتر

صورة
  الإنسان ليس قبل كل شيء، إلا مشروعا يعيش بذاته و لذاته. و هذا المشروع سابق في وجوده لكل ما عداه… فالإنسان هو ما شرع في أن يكون، لا ما أراد أن يكون. لان المعنى العادي للإرادة هو كل ما كان قرارا واعيا،و هو بذلك لاحق بوجوده لقرار سبقه. فانا أستطيع أن أريد الانتساب لأحد الأحزاب، أو أريد تأليف كتاب أو أريد الزواج، و كل ذلك ليس إلا مظهرا من مظاهر اختيار أصلي أكثر بساطة و أكثر طبيعية مما نسميه إرادة. فإذا كان الوجود يسبق حقيقة الجوهر فالإنسان إذن مسؤول عما هو كائن. فأول ما تسعى إليه الوجودية هي أن تضع الإنسان بوجه حقيقته، و أن تحمله بالتالي المسؤولية الكاملة لوجوده. و عندما نقول إن الإنسان مسؤول عن نفسه لا نعني أن الإنسان مسؤول عن وجوده الفردي فحسب بل هو بالحقيقة مسؤول عن جميع الناس و كل البشر. إن لكلمة “ذاتية” معنيين  إن أعداءنا يسيئون استعمال هاتين المعنيين عن قصد، إن كلمة “ذاتية” تعني من جهة أولى : انتقاء الفرد بنفسه و من جهة أخرى تعني : استحالة تامة تواجه الإنسان إذا أراد أن يتعدى ذاتيته. و إن المعنى الأخير هو المعنى العميق الذي تعتمده الوجودية… عندما نقول إن الإنسان يختار نفسه نعني بالت

حمى الاستهلاك \ زيجمونت بومان

صورة
  يقول (زيجموت) متحدثاً عن حمى الاستهلاك في حياة الفرد والاضطراب الذي نعيشه في حياتنا اليومية: كل مرة تعتاد على فعل أمر ما، ستعتاد على فعله مراراً وتكراراً بدون الشعور بأي سعادة لأنك فقدت ذلك الشعور بلذة الشيء لأول مرة. لن تشعر برضى وبإكتفاء أبداً، ما دمت مستمراً على هذا الإدمان. التجارب ستظل جذابة جداً ما دمت لم تجربها. ولكن صعب أن تحقق لك التجارب ما تتوعدك به، والناس عملياً أقصر من أن تشبع رغباتها تلك التجارب. وحتى لو إستطاع أحدهم أن يعمل جاهداً، شعوره بالإشباع لن يطول، خصوصاً وأننا في عالم إستهلاكي لا حد له، وحجم الأهداف المغرية المعروضة للفرد لا تتوقف. الوصفات والأدوات المقدمة لتجعل حياتك أجمل مطبوع عليها “تاريخ انتهاء” وأغلبها سيكون قد تم الاستغاء عنها قبل تاريخها المحدد وذلك لدخول العروض المتطورة والجديدة في المنافسة. في السباق الإستهلاكي يكون خط النهاية عادةً أسرع من المتسابقين أنفسهم الذين أرغموا على الدخول إلى السباق رغم سيقانهم الضعيفة وعضلاتهم المترهلة التي لا تمكنهم من الجري سريعاً. وكما يحدث في ماراثونات لندن، يعجب الناس بالفائزين، ولكن الحقيقة من يستحق الإعجاب أيضًا هم من

تساؤل الفيلسوف والمؤرخ ويل ديورانت عن معنى الحياة

صورة
  تساؤل الفيلسوف والمؤرخ ويل ديورانت عن معنى الحياة؟ أرسل (ويل ديورانت) هذه الرسالة إلى عدد من الأشخاص المؤثرين في المشهد العالمي حينها، مثل (المهاتما غاندي) والروائي الأمريكي (سينكلير لويس) صاحب الرائعتين (بابت) و(الشارع الرئيسي). بالإضافة إلى رئيس جامعة دارتموث (إرنست مارتن هوبكينز)، والناشطة (ماري أيما وولي)، والفيلسوف البريطاني (برتراند راسل) وغيرهم.      عزيزي،      هلا توقفت عن العمل لبرهة وشاركت معي في لعبة الفلسفة؟ أنا أحاول مواجهة سؤالٍ لطالما كان جلينا، أكثر مما هو على استعداد للإجابة عنه: ما معنى، أو قيمة الحياة البشرية؟ سبق أن تم تناول هذا السؤال من قبل المنظرين خصوصًا من (اخناتون) و(لاوتسي) إلى (برغسون) و(سبيلنغلر). إلا أن النتيجة لطالما شكّلت نوعًا من الانتحار الفكري؛ فالفكر، في جوهر تطوره يبدو وكأنه قد دمّر قيمة الحياة ومعناها. فنموّ المعرفة وانتشارها -الأمر الذي صلّى لأجل حدوثه الكثير من المثاليين والإصلاحيين- أدّى إلى خيبة أمل كادت تحطّم روح عرقنا. لقد قال لنا علماء الفلك إن حياة الإنسان لا تعادل سوى لحظة في حياة نجم، فيما قال لنا الجيولوجيون إن الحضارة ليست سوى فاصل ع

تهمة اليأس \ آرثر شوبنهاور

صورة
  إن كامل الأساس الذي يقوم عليه وجودنا موجودا في الحاضر، ذلك الحاضر الذي ما ينفك يهرب، ولذلك فمن صلب طبيعة وجودنا أنها تأخد شكل الحركة المستمرة، ولا تسمح بأي إمكانية للحصول على الاستراحة التي نسعى دوما من أجلها. نحن مثل رجل يركض نزولا لايستطيع أن يبقى على رجليه إلا إذا تابع الركض وسوف يقع بلا شك إذا توقف، أو أيضا مثل عمود يوازنه المرء على طرف اصبعه، أو مثل كوكب سيصطدم بشمسه في اللحظة التي يتوقف فيها عن متابعة طريقه. إن اللااستقرار صفة الوجود، في عالم كل ما فيه غير مستقر ولاشيئ يمكن أن يبقى بل يدفع نحو الأمام فورا في زوبعة متسارعة من التغيير، حيث الإنسان إذا أراد البقاء واقفا عليه دوما أن يتقدم ويتحرك مثل بهلوان على الحبل، ولا يمكن تصور السعادة في مثل هذا العالم، كيف يمكن لها أن تقطن كما يقول أفلاطون حيث التكون باستمرار وعدم الكون أبدا هو الشكل الوحيد من الوجود. في المقام الأول لا يكون الإنسان سعيدا أبدا بل يقضي حياته كلها يصارع بحثا عن شيء يحسب أنه سيجعله سعيدا ونادرا ما يصل إلى هدفه، وحين يصل، يصل ليصاب بخيبة الأمل وفي أغلب الأحيان تتحطم سفينته في النهاية، ويصل إلى المرفأ بلا سوار أو

موت إيفان إيليتش \ ليو تولستوي

صورة
  في قصة (موت إيفان إيليتش) للأديب الروسي ليو تولستوي، يُحدثنا تولستوي عن إيفان إيليتش القاضي بمبنى محكمة العدل ذو الشخصية القوية والمرموقة في المجتمع، متزوج ولديه أبناء ويعيش حياة تبدو للناظر أنها سعيدة، وعلى الرغم من ذلك لم يسأل إيفان ولو مرة عن معنى حياته إلا عندما أصابه مرض مميت وأصبح على حافة الموت.  وفي مقطع يقول إيفان لنفسه بعد أن أدرك أنه ميت لا محالة : " وكأنني كنت متجهاً نحو الهاوية بينما اعتقدت أنني متجه نحو القمة. هكذا الأمر. فمن وجهة نظر المجتمع كنت متجهاً إلى القمم ولكن في حقيقة الأمر كانت الحياة تفارقني رويداً رويداً وتدفعني باتجاه الهاوية. أما الآن فقد انقضى كل شيء لا شيء باقٍ إلا الموت. إذا ما مغزى الحياة؟ ولماذا ينتهي بنا المطاف إلى الموت المفجع؟ مستحيل. مستحيل أن تكون الحياة بهذه التفاهة والقرف." ليُعيد إيفان حساباته في مفهوم النجاح والمعنى و"لماذا نعيش". نتيجة لإقترابه من الموت واختباره للألم والمرض.  وبهذا يخبرنا تولستوي أن الأزمات الوجودية تجعلنا نعيد كل المفاهيم التي تربينا عليها ونعيد كل حساباتنا مرة أخرى ونختبر الأفكار والمبادئ التي كنا نتكئ

قلق السعي إلى المكانة \ الان دو بوتون

صورة
  لعل أسرع طريقة للتوقف عن ملاحظة شيءٍ ما هي ابتياعه، تماماً مثلما هي اسرع طريقة للتوقف عن تقدير شخصٍ ما هي الزواج به أو بها.  نستسلم لغواية الإعتقاد بأن مُنجزات وممتلكات بعينها سوف تمنحنا رضا مستديماً. إننا نُدعى لتخيّل أنفسنا نتسلق الجُرف شديد الانحدار فوق وجه السعادة من أجل أن نبلغ قمته العالية العريضة، حيث يتسنّى لنا عيش حياة رضية هنية بقية عمرنا، من دون أن يُذكّرنا أحد أننا حالما نبلغ القمة سوف نُستدعى مرة أخرى إلى منخفضاتٍ وقيعان جديدة من القلق والرغبة.

رجفة قلب \ مورلي كالاهان

صورة
  سألت "روبرتا" ذات يوم قلت لها: ما الذى يبقيكِ فى خدمة رجل ثمل طوال الليل ألا تخشين عبثى عندما تأخذ الخمر بعقلى؟ ضحكت ثم قالت: يا سيدى كل الذين حاولوا انتهاك جسدى لم يكن يشربون الخمر. لم أر واحداً منهم ثملاً. كانوا يقرؤون ويكتبون ويسْدون النصيحة ويقْطرون بالحكمة ويرسمون الصليب طوال الوقت. وحدكَ أنتَ لم تحاول. قلت: كيف؟! هل تصفين لى كيف أكون فى ثمالتى وكيف تطمئنين إليَّ؟ قالت روبرتا: عندما تأخذك الثمالة تبكى وتردد أشياءً أكاد أن أدونها من فرط إحساسها. قلت: هل تذكرين منها شيئاً؟ قالت: نعم. تُقسم لإمراة أنكَ لا تزال تحبها ولن تحب سواها. ( بالطبع كان يردد اسم زوجته الشابة التى توفيت من الأنفلونزا الأسبانية) قلت: وما الذى يطمئنكِ فى هذا. قالت: اللاشعور يا سيدى ... ! فقلت مندهشاً: ماذا تقصدين باللاشعور؟ قالت: لقد قرأت أننا عندما نغيب عن الوعى تتحكم فينا قوى أعظم وأصدق لا تكذب أبداً ، لأننا ببساطة نكون فاقدين السيطرة عليها. كل شئ فقد الإنسان السيطرة عليه لا يكذب. كل حماقات العالم جاءت من الكذب باسم الوعى يا سيدى. أنتَ فى ثمالتك أصدق من كل الأكاذيب التى رأيتها من أناس يكذبون باسم ال

تحول الحلم لكابوس في مسرحية الدرس ليونيسكو \ د علي خليفة

صورة
  في رأيي أن مسرحية الدرس ليوجين يونسكو تتشابه في بنائها مع الحلم الذي يتجاوز الحقائق ويصنع عالما خاصا به ولكن هذا الحلم ما يلبث أن يتحول لكابوس فإذا بالعالم الهادئ الذي أوجده يصيبه مس الكابوس فنرى بعض أشخاصه وقد تحولوا لسفاحين بعد أن كنا نراهم في صورة حالمة  ففي هذه المسرحية تفتح الستار عن خادمة في منزل مدرس تستقبل تلميذة في الثامنة عشرة من عمرها بترحيب ثم يرحب بها المدرس ويسألها أسئلة سهلة بل ساذجة وتجيب عنها كسؤاله لها عن عاصمة فرنسا وسؤاله لها عن حاصل جمع واحد وواحد وما شابه ذلك من أسئلة لا تتناسب إلا مع التلاميذ الصغار لا طالبة في الثامنة عشرة من عمرها ويثني عليها المدرس ويعرف منها رغبتها في الحصول على دكتوراة شاملة في العلوم والآداب معا وبالطبع هذا عبث ولكنه مقبول في منطق الحلم  ومع تتابع أحداث المسرحية نرى المدرس يقدم معارف مغلوطة للتلميذة عن أشياء كثيرة لا سيما في اللغات التي لا يرى فوارق بينها ولعل المؤلف يعني بهذا أنها تتشابه في كونها فقدت القدرة على إيجاد التواصل بين الناس ومع تتابع أحداث المسرحية تتحول عبارات الثناء من المدرس نحو التلميذة - أو الطالبة بمعنى أصح - لصيحات غضب

دافع الموت الفرويدي \ سلافوي جيجك

صورة
  "إذا كنت تريد أن تتحمل الحياة ، فاستعد للموت".    سيغموند فرويد  إن دافع الموت الفرويدي لا علاقة له أبدًا بالرغبة في إبادة الذات ، والعودة إلى الغياب غير العضوي لكل توترات الحياة ؛  بالأحرى ، إنه عكس الموت تمامًا - انه اسم للحياة الأبدية لـعبارة "الموتى الأحياء" نفسها ، من أجل المصير الرهيب للوقوع في فخ التكرار اللانهائي للتجول في الشعور بالذنب والألم.  إن التناقض في " دافع الموت '' لدى فرويد ، هو أن فرويد يستخدمه للإشارة إلى نقيضه تمامًا ، أي الطريقة التي يظهر بها الخلود في التحليل النفسي ، كفائض خارق للحياة ، دافع "اللا موت'' يتجاوز الدورة (البيولوجية) من  الحياة والموت المستمران في الظهور والموت.  إن الدرس الحقيقي للتحليل النفسي هو أن الحياة البشرية ليست مجرد " حياة عادلة '': فالبشر ليسوا على قيد الحياة ببساطة ، إنهم مهووسون برغبة غريبة في الاستمتاع بالحياة بشكل مفرط ، وهم مرتبطون بشغف بالإفراط الذي يبرز ويعطل الحياة الطبيعية.  و مجرى الأمور.