رؤية سينيكا للقلق وعلاجه من وجهة نظره
يعد سينيكا واحدا من أبرز فلاسفة القرن الأول، وقد أوضح بصورة أساسية المشكلات الأخلاقية التي إذا ما عولجت على نحو سليم، فإنها ستمكن الإنسان من بلوغ السعادة والأمن والخير، وبالإضافة إلى ذلك فقد حارب الانفعالات ودعا إلى لغة العقل المتزن، كما داعب سينيكا في رسائله أحد أكبر مخاوف عصرنا الحالي وأعراضه المزمنة وهو القلق الذي يفسد على المرء حياته. يتناول التقرير التالي نبذة عن رؤية سينيكا للقلق وعلاجه من وجهة نظره.
"نحن في الحقيقة نعرف القليل عن الحياة، حتى أنه يصعب علينا التمييز حقا بين الخبر الجيد والسيء".
هذا ما قاله الكاتب الأميركي الشهير كورت فونيغوت، ومن قبله كتب آلان واتس عن تعلم عدم التفكير من منطلق الربح أو الخسارة "إن الطبيعة برمتها هي عملية متكاملة من التعقيد الهائل، ومن المستحيل التيقن تماما إذا ما كان الشيء جيدا أو سيئا"، ومع ذلك، فإن معظمنا يقضون مساحات من أيامهم في قلق بشأن احتمال وقوع أحداث سلبية، وخسائر محتملة.
في الثلاثينيات، قام أحد القساوسة بتقسيم القلق إلى خمس فئات من المخاوف، أربع منها خيالية والخامسة "مخاوف ذات أساس حقيقي"، تحتل "ما يقارب 8٪ من المجموع". وقد أدت الأخبار المتلاحقة علينا طوال اليوم والتي تتغذى على هذا الميل البشري إلى تفاقم المشكلة فارتفعت نسبة 8٪ لتصبح كما لو كانت 98٪، غير أنه في قلب تشويه الواقع هذا فإن نزعة عقلية قديمة ملتحمة بنفسيتنا تتواجد بشكل مستقل عن الأحداث الخارجية.
وقد تناولها الفيلسوف الروماني العظيم سينيكا، الذي عاش في القرن الأول، في مراسلاته مع صديقه لوسيليوس جونيور، التي نشرت لاحقا تحت اسم "رسائل من رِوَاقِيّ" وهي خلاصة حكمة رؤية سينيكا عن الانضباط العقلي للتغلب على الخوف.
في رسالته الثالثة عشر، بعنوان "مخاوف لا أساس لها"، كتب سينيكا:
"إن الأشياء التي تخيفنا أكثر من تلك التي لها القدرة على سحقنا، فنحن عادة ما نعاني في الخيال أكثر من الواقع".
وبنظرة متفحصة إلى الهزيمة الذاتية، وتلك العادة الإنسانية المرهقة للاستعداد لكارثة وهمية، يشير سينيكا على صديقه الشاب:
"ما أنصحك به هو ألا تكون تعيسا قبل حلول الأزمة؛ لأنه يمكن للأخطار التي يشحب لونك قبلها كما لو كان تهديدها واقعا ألا تصيبك؛ فهي بالتأكيد لم تأت بعد. وبالتالي، فإن بعض الأشياء تعذبنا أكثر مما ينبغي لها أن تعذبنا، وبعضها يعذبنا قبل أن يجب وبعضها يعذبنا في حين لا يجب أن يعذبنا على الإطلاق. إننا واقعون تحت وطأة عادة المبالغة في الأسى أو تخيله وتوقعه".
يقدم سينيكا بعد ذلك تقييما نقديا للقلق المعقول وغير المعقول، وذلك بإلقاء الضوء في رسالاته على حماقة تبديد طاقاتنا العقلية والعاطفية على المقلقات غير المعقولة منها، التي تضم الغالبية العظمى من مخاوفنا:
"من المرجح أن تحل علينا بعض الأزمات، ولكنها ليست حقيقة واقعة الآن. فكم مرة حدث ما هو غير متوقع! وكم مر المتوقع دون حدوث! ورغم كونه مقرر الحدوث، فَلمَ تعاني من أجله مسبقا؟ سوف تعاني قريبا بالقدر الكافي عندما يصل. لذلك تطلع في هذا الوقت إلى الأمور الجيدة وما الذي ستحصل عليه من خلال القيام بذلك؟ إنه الوقت بلا شك. سيكون هناك العديد من الأحداث حينها وسوف تؤدي إلى تأجيل الأزمات الوشيكة أو حتى الموجودة حينها أو تنهيها. وقد يفتح الحريق الطريق للفرار أحيانا، وأحيانا يُرفع السيف لحظة وصوله عنق الضحية وينجو الرجال من الموت. وحتى سوء الحظ فإنه متقلب، فقد يأتي وربما لا، وهو حاليا ليس هنا، لذا تطلع إلى أمور أفضل".
تعليقات
إرسال تعليق