ما لا أُحبُّهُ في المُجتَمَعِ المُعاصِر، كينونة الإنسان ، إريك فروم
هناك أشياءَ كثيرة أكرهُها في المجتمعِ المُعاصِر ، و أولاً أودُّ أن أعبِّر عن كرهي لحقيقةِ أنّ كلّ شيء وكلّ شخصٍ تقريباً للبيعِ. ليس فقط السِّلَع والخدمات ، بلّ الأفكار ، الفنّ ، الكتب ، الأشخاص ، القَناعات ، الشعور ، الابتسامة كلّها تحوَّلت إلى سِلَعٍ ، وكذلك الإنسانُ كلُّه ، بكلِّ جوارحهِ وإمكانياتهِ. يترتّب على ذلك أن قلَّة قليلة من النّاسِ يمكنُ الوثوقَ بها. لا يقتضي بالضرورة أني أقصد عدم النّزاهة في العملِ أو الاستخفاف بالعلاقات الشخصيّة ، بل أقصد شيئاً أعمق : عندما يكون الإنسان للبيعِ ، كيف نثق أنّه سيكون غداً هو نفسه الذي نعرفهُ اليوم ؟ كيفَ أعرف من هو ؟ أو لِمن سأمنَحُ ثقتي ؟ كيف أثِقُ أنّه لن يقتلني أو يسلبني ؟
فكرة أخرى وثيقةَ الصّلة بسابِقتها : ينزع الجيل الجديد لامتلاكِ طبع تشكَّل بقوّة بفعلِ الأنماط التقليديّة والحاجة إلى تكيُّف ناجح. يميل الكثيرون من الجيل الشابّ إلى عدم امتلاك طَبعٍ على الإطلاق ، ولا أعني بذلك أنّهم غير نزيهين ، بل إنّهم يعيشون عاطفيّاً ، ويتكلّمون فكرياً من الفمّ إلى اليدّ. يُشبِعون حاجاتهم فوراً ، وهم قليلو الصّبر على التعلُّم ، ولا يستطيعون احتمال الإحباط ببساطة ، وليس لديهم أيّ نقطة مركزيّة في ذاتِهم ، ولا إحساس بالهويّةِ.
إنّهم أكثر انجذاباً إلى عمليّات السّكون والعمليات الميكانيكية ، من انجذابهم إلى عمليّات الحياة والعيش. لقد سميّتُ انجذابهم ذاك بالانجذاب إلى ماهو ليسَ حيّاً. فعلى الرّغم من التوكيد على المتعة ، يُنتِج مجتمعنا المزيد من الانجذاب المَرضيّ إلى الجثث ( مُجامَعةِ الموتى ) والقليل القليل من حبّ الحياة. وهذا كلّه يُفضي إلى ضجرٍ هائل ، مما يجري التعويض عنه ظاهرياً فقط بتغيير دائم للمُنبِّه. وكلما قلّ ما تسمح به هذه المُنبِّهات من حياة حقيقية واهتمام فعّال ، كلّما تواتَرت الحاجة إلى تغييرها ، نظراً إلى الحقيقة البيولوجية القائلة بأنّه عندما يتكرَّر المُنبِّه المُباشَر سرعان ما يصبح رتيباً.
لا يسعُني أن أختِم دون أن أقول : إني لستُ يائساً في نهاية المطاف ، نحن في منتصف الصّيرورة التي يبدأ فيها كثير من الناس بالتخلّي عن أوهامِهم. وكما قال ماركس ذات يوم : التخلّي عن الأوهام مشروط بالتخلّي عن الظروف التي تحتاج هذه الأوهام.
تعليقات
إرسال تعليق