هذا هو الإنسان - نيتشه
تحسّبَاً لكوني سأضعُ البشريَّةِ عمّا قريبٍ أمامَ إلزاماتٍ جَسيمةٍ لم يُعرَف لها مثيلاً في السّابقِ ، فإنَّهُ يبدو لي منَ الضّروريِّ أن أقولَ لكم من أنا ؟ ، مع أنَّهُ من المُفترضِ ، في الواقعِ ، أن يكون الناسُ على علمٍ بذلكَ ، لأنني لم أدعْ نفسي أظلّ ( نكرةً ) . غير أنَّ عدمَ التناسبِ بين جَسامةَ مهمتي وحقارةَ مُعاصريِّ قد تجسّدَ في أنني بقيتُ لا أُسمَعُ ، بل ولا أُرَى حتّى. إنني أَحيا على الرَّصيدِ الذي كونتهُ لنفسي ، أنا مثلاً لستُ فزاعةً على الإطلاقِ ؛ ولا أنا غولٌ أخلاقيٌّ ، بل إنني من طبيعةٍ نقيضةٍ لذلك الصّنفِ من البشرِ الذين ظلَّ الناسُ يُقدِّسونهم حتى الآن كأمثلةٍ للفضيلةِ ، بل لأقولها بيني وبينكم ؛ إن ذلك بالذَّات هو ما يبدو لي أحدَ عناصرِ اعتزازي بنفسي ، فأنا تلميذٌ لديونيزوس ، وإني لأُفضِّل أن أكونَ مُهرِّجاً على أن أكون قديساً.
- إن آخرَ مايُمكنُ لي أن أعِدَ به هو إصلاحُ البشريَّة ؛ كما أنني لن أُشيِّدَ أصناماً جديدةً ، وليعلمَ القُدامى مالذي يجلبهُ الانتصابُ على قدمينِ من صَلصالٍ ، تحطيمُ الأصنامِ هي حِرفتي. ومن يعرفُ كيفَ يتنفسُ الهواءَ الذي يملأُ كتاباتي ؛ يُدرِك أنه هواءَ أعالي ، هواء شديد قاسٍ ، وعلى المرءِ أن يكونَ مجبولاً لمثلِ هذا الجو ، وإلاّ فإنَّ الخطرَ سيكونُ غير يسيرٍ ، خطرَ الإصابةِ بالبَردِ.
"إنَّ الفلسفةَ كما كنتُ دوماً أفهمُهَا وأعيشها ؛ هي الحياةُ طوعاً في الجليدِ ، وفوقَ الجبالِ الشَّاهقةِ ، البحثُ عن كلِّ ماهو غريب وإشكاليّ في الوجودِ".
______________
هذا هو الإنسان - نيتشه
تعليقات
إرسال تعليق