أوكتافيو باث / جـدليـّة العـزلـة
يمثل الجنين، وهو وحيد في العالم المحيط به، حياةً خالصة، حياة في حالتها الخام، تدفقا جاهلا بذاته. حينما نولد، نقطع الصلات التي تربطنا بالحياة العمياء، التي عشناها في رحم الأم، حيث لا فاصل هناك بين الرغبة والإشباع. فإحساسنا بالحياة يعبر عنه كانفصال وقطيعة، كتيه وسقوط في بيئة معادية وغريبة. وبقدر ما ننمو، بقدر ما يتحول هذا الإحساس البدائي إلى شعور بالعزلة، وبعد ذلك إلى وعي: فنحن محكومون بالعيش في عزلة، لكننا محكومون أيضا بتجاوز عزلتنا واستعادة الصلات، التي كانت تربطنا بالحياة في ماض فردوسي. كل جهودنا تسعى إلى محو العزلة. هكذا يملك الإحساس بالعزلة دلالة مزدوجة: فمن جهة يدل على الوعي بالذات، ويدل من جهة أخرى على الرغبة في الخروج من الذات. إن العزلة، وهي شرط حياتنا، تبدو لنا كامتحان وتطهر، وفي نهايتها يختفي القلق والتيه. فالامتلاء والاجتماع، وهما راحة وسكينة وانسجام مع العالم، ينتظراننا في نهاية متاهة العزلة. إن اللغة الشعبية تعكس هذه الازدواجية، بمطابقتها بين العزلة والحزن. أحزان الحب هي أحزان عزلة، فالمشاركة والعزلة والرغبة في الحب تتعارض وتتكامل. وقدرة العزلة على الإنقاذ تكشف عن...