لا يمنح الإسم هوية للبطل عند بيكيت
لا يمنح الإسم هوية للبطل عند بيكيت. فكما هو الشأن عند يونسكو، نحن لا نعرف مهنة الشخصية ولا انتماءها الإجتماعي، لأنها شخصية منبوذة ومهمشة، بل لا جذور لها. إن البطل في مسرحيات بيكيت مجرد شخص مسكين، لاتاريخ له، وهو مصدر غموض وابهام. وهوية البطل وجب البحث عنها في جسده وفي الفضاء الركحي وفي علاقته بالآخرين. - يحتل الزوجان أو الرفيقان لوحدهما الخشبة ويهيمنان على الفضاء الركحي. فلا وجود لشخصيات ثانوية في مسرح بيكيت : ففي مسرحيتي "في انتظار غودو" و"نهاية اللعبة" يتعلق الأمر بمواجهة بين رفيقين. وفي مسرحية "الأيام الحلوة" يتواجا الزوج ويلي والزوجة ويني في صحراء نائية، ورغم أن العلاقة بينهما هشة ومنفصمة فإنهما مع ذلك يتعايشان ويوجدان. - وشخصيات بيكيت في الغالب ما تتحرك في فضاء مغلق وتخشى اجتياح واحتلال شخص ثالث لفضائهما،هذا الإحتلال الذي يشكل خطرا على العلاقة الهشة التي تجمع بينهما، بل إن العلاقة السادية-المازوخية هي شرط أولي لإستمرار حياة الزوجين أو الرفيقين: إن هذه الكائنات التائهة أبديا، تقضي وقتها في التنابز والتصارع وتبادل الإتهامات. وهناك عنصر مشترك بين الأزواج والرفيقين المقهورين هو: بقدر مع يسعيان الى الفراق ، بقدر ما يخشيان القطيعة ولا يقدران على الفراق والإنفصال عن بعضهما البعض. - وهناك عناصر عديدة تربط البطل البيكيتي بزميله: إن جسده الضعيف المريض والعاجز يحتم عليه أن يظل مستلبا وتابعا للآخر. فلغة النفس تمر عبر الجسد، ذلك أن الآلام الجسدية تولد الآلام المعنوية. فالعمى والعرج والعاهة بصفة عامة تجعل الشخصية ضعيفة عاجزة وبالتالي في حاجة للآخر لتستطيع الإستمرار في العيش. ففي الغالب ما نكون بصدد شخصيتين الأولى تعاني من مشاكل في السير والثانية من مشاكل في الرؤية، وبهذا فإن استمرارية عيش الأول مشروط بوجود الثاني، كما أن هذا الأخير يظل تابعا للأول. هذا الألم الفيزيقي المادي يكشف عن ألم داخلي روحي. ففي مسرحية "نهاية اللعبة" هام وويني يتألمان لأنهما لا يستطيعان رؤية جسميهما، لأن الأول كفيف والثاني مدفون في قمامة. فالجسد يصبح عند بيكيت مصدر لغز وتساؤل: من أنا إذا كنت لا أستطيع رؤية جسدي؟ لهذا تلعب الحركة دورا أساسيا في مسرح بيكيت، فالأبطال يسقطون على الأرض، يجدون صعوبة في التنقل والمشي، لايستطيعون التمييز بين الأشياء القريبة، ويقبعون في الأرض ولا يقدرون على النهوض... - وتعطى للفضاء الركحي وظيفة أساسية، لأنه التعبير الواضح على استلاب البطل وتبعيته. فهو امتداد لجسد البطل وسجن له في نفس الآن. والشخصيات لا ذاكرة لها، فهي لا تتعرف على الأماكن التي تتواجد فيها. والتساؤلات حول الجسد والفضاء تتداخل لتعكس اشكالية الوجود البشري. وهذا ما يعبر عنه الديكور حيث يظل ثابتا، لا يتغير طوال المسرحية. ذلك أن ثبات الديكور يجسد الجمود والشلل الذي يصيب الزوجين أو الرفيقين فهما لا يستطيعان أن ينفصلا عن بعضهما البعض، كما أن أي محاولة للحركة أو التغيير مآلها الفشل. فلا شيء هناك سوى الجمود والشلل. - إن سجن الجسد وسجن المكان يحتم على الشخصيات أن تكرر نفس الفعل: محاولة الإنفصال عن بعضهما البعض. إن هذا الإستعباد لايطاق، لكن رغم ذلك يظل كل واحد منهما مرتبط أكثر فأكثربالآخر. فالطابع التكراري لأفعال ومحاولات الشخصيات يجسد استلابهم: تكرار نفس الكلمات ونفس الحركات، هذا التكرارالقسري الذي يحول الشخصية شبيهة بالدمية. - إن شخصيات بيكيت لا تملك وعيا بالزمن. ولكنها تتمسك بحركاتها البئيسة والمتكررة باستمرار، هذه الحركات التي تشكل ماضيها. وموتها يرتبط بعدم قدرتها على تكرار حركاتها. إن آلية التكرار تمثل آلية دفاعية، من حيث أن هذه الكائنات تبحث عن ذاتها دون أن تستطيع ملء الفراغات التي تملئ حياتها . فيبدو أن الدوران في حلقة مفرغة وردود الأفعال الآلية المكرورة هو قدرها المحتوم.
Langage et Corps dans le Théâtre des années 50 --- Marie-Claude Hubert
العباس جدة
تعليقات
إرسال تعليق