هذا الكون ما ضميره \ عبد الله القصيمي


 

أيها الواعظون، أيها الواعظون: نعم، إن كل ما في الكون من جمال، ولذات وغناء، ومجد، وصحة، وشباب، وضخامة، ونجوم، وليل، ونهار، لا يمكن أن يكون غفراناً أو اعتذاراً عن أية دمامة، أو عن أي ألم، أوعن أي موقف هوان أو بكاء، أو عن أي مرض، أوعن أية شيخوخة، أو عن أي عبث في هذا العالم. لأن كل ما في العالم من أشياء طيبة أو ضخمة أو ملائمة لن يستطيع أن يجعل دميماً واحداً، أومعذباً واحداً، أو محتقراً واحداً، أومريضاً واحداً، أو شيخاً واحداً، أو باكياً واحداً، يشفي من آلامه أو من شعوره بها، أو يخفف منها. لأن كل ما في العالم من ذلك لن يستطيع أن يكون عزاء أو تعويضا عما يلقى المتألمون. لأن كل سعادة وغناء وجمال وصحة تتحول إلى حد لم فقدوا ذلك، وإلى عدوان عليهم، وتذكير لهم بآلامهم! إن جميع الشموس المضيئة لن تكون تكفيراً عن ظلمة في عين. إن جميع القصور الباذخة لن تكون عذراً عن حقارة في كوخ. إن كل شيء ملائم لنا هو عدوان على نقيضه وحامل لنقيضه. إن الجمال عدوان على الدمامة، وحامل لنقيضه أي لنقيض الجمال أي حامل للدمامة. إن الصحة والشباب والمجد والقوة وكل شيء يلا ئمنا، هو عدوان على نقيضه وحامل لنقيضه. إن الجمال هو أكثر الأشياء الطيبة عدواناً، إنه عدوان على نقيضه وعلى كل المواجهين له والمتعاملين معه! أيها الواعظون، أيها الواعظون: خذوا نصائحكم واعطوني مشاعركم، خذو ذاتي واعطوني ذواتكم. إنكم حينئذٍ لن تعطوني. وإني حينئذٍ لن أكون محتاجاً إلى مواعظكم لكي أكون متفائلاً، لا يجد في الكون أو الحياة أو في الناس ما يصدم منطقه أورؤيته أو يثير أحزانه واحتجاجه! ليتكم أيها الناصحون تجربون معاناه الأحاسيس التي يعانيها من تقسون عليه بنصائحكم. ليتكم ترون آلام الآخرين وأحزانهم، وترون عبث الأشياء وأخطاءها وقسوتها، ليتكم تحسون هذه الآلام والأحزان والأخطاء والعبث والقسوة من داخلكم وبأعماقكم، كما يراها ويحسها من داخله وبأعماقه من تظلمون بنصائحكم وتفاسيركم! ليت هذه الآلام، والأحزان، والعبث، والأخطاء، والقسوة تنصب في عيونكم، وأعصابكم بالعنف الذي تنصب به في عيون وأعصاب من تنصحون! إن الذين يتعذبون باحتجاجاتهم لم يتعلموا عذابهم بالنصائح، إذن كيف يشفون من عذابهم بالنصائح؟ إنهم لم يتعلموا الاحتجاج ضد الآلام والعبث لأنه قيل لهم: احتجوا، إذن كيف يتركون الاحتجاج ضد الآلام والعبث إذا قيل لهم: لا تحتجوا؟ ليته كان ممكناً أن ينتقل كل ما وراء بعض الكلمات من رؤية وحماس وروعة عذاب إلى نفوس وعقول من يتلقون تلك الكلمات، ليته كان ممكناً أن تؤثر فيهم الكلمات الصادقة في عذابها وبلاغة ارتجافاتها تأثيراً مساوياً لما في نفوس وعقول من يطلقونها. ليته كان ممكناً أن ينقل الناس بعضهم إلى بعض! ليت تبادل العيون والأعصاب والرؤية كان ممكناً. ولكن كلا. فالذين يتعذبون بكل عذاب كل الآخرين هل يمكن أن يتمنوا العذاب الأحد، هل يمكن أن يتمنوا للآخرين العذاب الذي يعانون؟



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كلُّه نكتة كونيّة \ روبرت أدمز

رسالة دوستويفسكي إلى اخيه ميخائيل بعد أن نجى من الاعدام بأعجوبة

قبل بزوغ الشمس \ فريدريك نيتشه

الإرتباك الوجودي الذي ينجم عن حالة الملل

على الطريق \ فريدريك نيتشه

قرد في الأكاديمية \ فرانز كافكا

كتاب مت فارغا \ تود هنري

هل الوعي حرٌّ؟ آناكا هاريس

الجمر البري \ نيكيتا جيل

تجنب الألم \ فيليب فان دان بوسش