أعمدة الأدب الروسي
يؤمن دوستويفسكي باستحالة قدرتنا على التعبير عما بنفوسنا بشكل تام و بصورة نرضاها ، و لذلك فإننا نشعر أن أي فكرة تبدو جميلة وهي في رؤوسنا . لكنها تفقد بريقها غالباً أو جزء منه إن أخرجناها للعلن !
يقول :
يعذبك في بعض الأحيان أن فكرك لا تسعه قوالب الألفاظ .
يا صديقي ، هذا العذاب لم يوهب إلا لصفوة مختارة من الناس ، أما الغبي الأحمق فهو راضٍ دائماً عما يقول ، وهو عدا ذلك يقول أكثر مما يجب أن يقال ...
رواية المراهق
بل و يكمل ليصل لحالة قد تصيب البعض حيث يكون غارقاً في أمر ما لكنه لا يستطيع شرحه ، فما بالك بمن يريد أن يكتب عن السلوك البشري !!
"هناك حالات يصعب فيها على صاحب الشأن نفسه ان يشرح سلوكه "
رواية الشياطين
و هكذا ، سنجد أن دوستويفسكي حاول التغلب على مشكلة الفجوة بين فكر الإنسان و اللغة ، باستخدامه للاسهاب في الوصف و طول الصفحات التي يتحدث فيها عن أمر تفصيلي صغير !
أما بالنسبة للأب الروحي للقصة القصيرة ، أنطون تشيخوف ، فقد كتب بطريقة مغايرة تماماً . إذ كان يضع الفكرة أمامه ثم يصيغها في عمل أدبي . و جميع أفكار تشيخوف كشخصياته تماماً ، كانت من الحياة اليومية المُعاشة ، دونما كثير فلسفة .
يقول مخرج و ممثل المسرحي قسطنطين ستانيسلافسكي : " تشيخوف معين لا ينضب . فعلى الرغم من أنه ظاهرياً يصور الحياة اليومية العادية ، إلا أنه في الحقيقة لا يتناول الأمور العابرة أو المحدودة ، بل تلك القضايا التي تتعلق بالإنسان أينما كان ، فالإنسان في الواقع هو الفكرة الروحية المهيمنة التي تتكرر في كل مسرحياته ٠"
أما عن تولستوي ، شيخ الأدب الروسي ، فلم يحدث أنه قام بتعميم حالة من الحالات الإنسانية أو أنه حاول إطلاق حكم عام حول قضية ما . و من قرأ للكاتب فسيدرك بوضوع أنه يطرح الأسئلة أو يجبر القارئ على طرح الأسئلة حول قضية ما ، و لا يلزم القارئ باستنتاج خاص بالكاتب نفسه .
و لا غرابة إذن أن يتم اختيار افتتاحية " آنا كارينين " كواحدة من أجمل إفتتاحيات الروايات على مر الأزمان :
"كل العائلات السعيدة تتشابه،لكن لكل عائلة تعيسة طريقتها في التعاسة".
•آنّا كارينين
ما هي السعادة ، و ما هي التعاسة ؟ و لماذا يكون السعيد متشابهاً مع غيره من السعداء ، لماذا كل واحد منا له طريقته في التعاسة !
أسلوب دوستويفسكي رغم جاذبيته إلا أنه يحتاج منك أن يكون نفسك طويل جداً و صبرك أطول فلا تستلم للملل و لا تغلق الرواية في المنتصف .
تشيخوف يتطلب أن يكون القارئ متبحر في الثقافة و قادر على ربط كل كلمة أو مشهد في العمل بالواقع و الحياة ككل ، هنا أنت تفتح عينك على أناس لطالما ظننتهم أنهم غير جديرين بالإنتباه !
تولستوي ، يتطلب منك أن تكون قادراً على تحمل أسئلة من العيار الثقيل ، حول قضايا الإنسان الأزلية و أكثرها تعقيداً .
هل يمكن فصل هذه الخصائص فلا نقول إن ما يتميز فيه أحدهم من صفات لا نجدها عند غيره ؟
بالطبع لا نستطيع ، لأننا نتحدث عن أعمدة الأدب الروسي و التقاطع بينهم حتمي .
تعليقات
إرسال تعليق