الفرق بين البحث عن السعادة وبين الحصول عليها \ إميل أوكست شارتييه
عادة ما نقول إن كل الناس يجرون وراء السعادة. سأقول بالأحرى أنهم يرغبون فيها، وهذا فقط على مستوى الكلام، ومن خلال آراء الغير. لأن السعادة ليست شيئا نجري وراءه، بل شيئا نمتلكه. وخارج هذا الامتلاك، ستكون السعادة مجرد كلمة. لكن عادة ما يعطي الناس قيمة كبيرة للأشياء، مقابل إعطاء قيمة أقل للذات، فهذا يريد الاستمتاع بالثروة، وذاك بالموسيقى، والآخر بالعلوم. لكن التاجر هو الذي يحب الثروة، والموسيقي يحب الموسيقى، والباحث يحب العلوم. بحيث إنه ليس هناك قط أشياء تروقنا إذا لم نحصل عليها، وليس هناك تقريبًا قط أشياء تروقنا إذا لم نقم بها، حتى وإن كان الأمر يتعلق بتسديد أو تلقي الضربات.
هكذا فكل الآلام يمكن أن تكون جزءًا من السعادة، إذا كنا نبحث عنها في أفق تحقيق فعل مضبوط وصعب، مثل ترويض حصان. إن حديقة ما لن تروقنا، إذا لم نصنعها بأنفسنا. ولن تروقنا امرأة ما لم نغزوها. بل حتى السلطة يملكها ذاك الذي يحصل عليها دون بذل مجهود. فالجمنازي يجد متعة في القفز، كما يجد العداء متعة في العدو؛ أما المتفرج فليس له سوى متعة الفرجة.
هكذا فالأطفال لا ينقصهم الطريق الأصوب، عندما يقولون إنهم يريدون أن يكونوا عدائين أو جمنازيين؛ لذا يسرعون لتحقيق ذلك، لكنهم ما يلبثوا أن يخطئوا، يتجاوزون الآلام ويعتقدون إنهم وصلوا إلى مبتغاهم. أما الآباء والأبناء فيستشيطون غضبا للحظة قصيرة، ثم يخرون ساقطين. ومع ذلك فالجمنازي سعيد بما فعله وبما سيفعله؛ بواسطة يديه ورجليه ومن خلال ما يشعر به. ونفس الشيء يمكن قوله عن الغازي والمحب، فكل واحد يصنع سعادته.
غالبًا ما نقول إن السعادة تروقنا عن بعد وفي الخيال، وأنها تتلاشى عندما نريد الإمساك بها. هذا شيء غامض، لأن العداء الجيد سعيد في خياله، إذا جاز القول، في اللحظة التي يستريح فيها؛ لكن الخيال يشتغل داخل الجسم الذي يعد مجاله الخاص؛ فالعداء يعرف جيدًا ما معنى الإكليل، وأنه لشيء جميل وجيد أن يفوز به، وليس فقط الحصول عليه. إن أحد نتائج فعلنا تكمن في إحلال النظام داخل كل شيء.
يمكننا كذلك أن نأمل في السعادة فقط عن طريق هذا الخيال والذي هو في متناول كل واحد منا. والخيال الآخر يتم إجهاده في الانتظار والقلق؛ علما أن التجربة الأولى لا تعطينا شيئا آخر سوى الألم.
هكذا فإن الذي لا يعرف لعب الورق، يتساءل عن ما هي اللذة التي يشبعها من يلعب الورق. يجب أن نعطي قبل أن نستقبل، وأن نعقد الأمل على ذواتنا، لا على الأشياء؛ إن السعادة هي الجزاء الحقيقي. هكذا، فالإرادة هي التي تمنحنا أفراحنا، وليست إرادة أفراحنا هي التي تمنحنا إياها.
تعليقات
إرسال تعليق