لا تولد قبيحا \ رجاء عليش


أن تشعر أنك دائماً تحت المجهر، تلفت النظر بشكل سلبي، يواجهك المجتمع بالاستخفاف والاستهزاء، أن تكون منبوذاً رغم محاولاتك العديدة لكي تكون جزءاً من مجتمع أعمى، يصل إلى نشوته الجنسية عن طريق إهانة المُختلفين، عن طريق شعوره أنه أفضل، وأعلى، منك. أنظر أنه شخص قبيح، دعنا نتنمر عليه، دعنا نأكل لحمه حياً، دعنا نجعله يبكي، دعنا نقتل روحه، دعنا نمتص كُل نفس فيه يحمل حُباً للحياة. أن تنظر للمرآة، وتجد نفسك قبيحاً، خارجك، ولكنك تعلم أن داخلك مُختلف، فلماذا يحكم علي هؤلاء بالقُبح؟ إذا كُنت أبتليت به، فلماذا لا يساعدوني أو يُساندوني أو حتى على الأقل يتجنبوني؟ أنا فقط أريد أن أعيش أن أنجو.. هل أنا حقاً مُختلف عنهم؟


بكل تأكيد مُختلف عنهم.. هم ذئاب صدف أنهم أصبحوا بشراً، روحهم غير موجودة، مشاعرهم قد باعوها للشيطان، فأمرهم بأن يدمروك، أن يرسلوك إلى غياهب البؤس والشقاء، أن تعيش يوماً بعد يوم مُتمنياً الموت كخلاص أبدي لمُعاناتك. فكيف بحق كُل شيء، ستواجههم؟ كيف ستتصدى لكُل ذلك السيل من القُبح الداخلي.. تشعر أنك بطريقة ما تُشفق عليهم.. رباه، كيف يعيش إنسان وهو يحمل كُل ذلك القُبح بداخل روحه؟ ألا ينفر من نفسه؟ ألا يندم؟ ألا يجد فيما يفعله أي ذرة شك أنه يدفع الآخرين نحو الموت؟


تُريد أن تخلص نفسك من عبء القُبح، عبء المجتمع، عبء الأعين التي تُلاحقك، الهمسات الساخرة في كل جانب، اللعنات التي تُصيبك، الشتائم الواضحة والصريحة، الرفض من كُل شيء.. ستُرفض من الملائكة حتى!

كيف تُخلص نفسك؟ كيف ترتاح؟ كيف تجد السكينة؟

تغوص في أفكارك وأنت تترجل ماشياً في أحد الشوارع، تسمع أحد المارة يقول لك: لماذا لا تقتل نفسك وتريحنا من قُبح وجهك؟

فجأة تبتسم له.. وجدت الحل.


تذهب إلى أحد الشوارع الجانبية، صديقاً ما من العمل أخبرك عن ذلك المكان، سخر منك وقال لك: لا تُطلق علي النار.. ابتسمت وتقول: لا تقلق، لن تكون هدفاً.. تستلم الطرد المُغلف، وتدفع ثمنه.. لم يتبقى شيئاً كبيراً في حسابك البنكي، ولكن ما الفارق؟

تجلس في سيارتك، السماء تبكي فتمطر، البحر في الجانب الآخر هائج، رافضاً للظلم الواقع عليك، الرياح تجعل سيارتك تهتز، وكأنها تحتضنك بطريقة ما.. توجه فوهة سلاحك إلى وجهك.. هذا ما تقولون عنه قبيح وما لي يداً فيه، هذا لأنكم لم ترون حتماً.. كُل الفراشات بداخلي.

تضغط الزناد.

صمت تام.

وبرغم كُل الدماء المُتفجرة من وجهك، دموعك واضحة للأعمى.

( مشكلة الإنسان القبيح في رأيي ليست هي إحساسه بالاختلاف عن الآخرين لكن في ذلك التربص القائم به من جانب هؤلاء الآخرين.. تضخيم المشكلة أمامه بصورة تدعو إلى اليأس المطلق وإلقاء السلاح.. تدعو إلى كراهية الناس واعتبارهم مصدر تعاسته الحقيقية.

المشكلة هي الإذلال الدائم له.. تذكيره دائما بناحية قصوره الخاصة.. النظر إليه باستغراب شديد إذا ما حاول أن يمارس الحياة كشخص عادي متمالك لحواسه الخمسة وهنا يقع الناس في أغرب تناقض متصور.. إنهم يعتبرون القبيح إنسانا عاديا تماما ولكنهم في نفس الوقت يستنكرون منه بشدة أن يمارس حياة الإنسان العادي)..



 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة دوستويفسكي إلى اخيه ميخائيل بعد أن نجى من الاعدام بأعجوبة

قبل بزوغ الشمس \ فريدريك نيتشه

الإرتباك الوجودي الذي ينجم عن حالة الملل

الجمر البري \ نيكيتا جيل

تجنب الألم \ فيليب فان دان بوسش

على الطريق \ فريدريك نيتشه

هل الوعي حرٌّ؟ آناكا هاريس

كتاب مت فارغا \ تود هنري

تسلية أنفسنا حتى الموت \ نيل بوستمان

عندما تحب روحًا عتيقة \ لويزا فليتشر