تشارلي كوفمان و النفس البشرية
Being John Malkovich 1999
نبدأ بالمحطة الأولى في افلام تشارلي كوفمان و التى يمكن وصفها بالمجنونة و لكنها بكل تأكيد ليست الأكثر جنوناً و لكن يكفى أنها وضعته على الطريق الصحيح .
تدور أحداث الفيلم حول محرك الدمى الذى لا يجد مكاناً لتقدير موهبته فى تحريك الدمى “كريج” مما يدفعه لأخذ وظيفة يستغل فيها خفة يده مع الأوراق و لكنه يجد باب سرى يُمَكِنُه من الدخول فى عقل الممثل المشهور جون مالكوفتش ليبقى به لمدة 15 دقيقة ليرى ما يراه و يشعر بما يشعر به لتسير الأحداث بسيناريو غريب تزداد به الأمور جنوناً بشكل متسارع .
قد نختلف فيما أراد تشارلي كوفمان قوله بالفعل فى هذا الفيلم و لكن أرى أن الرسالة الأهم و الأقوى هنا تكمن فى ميل الإنسان لاتخاذ الطريق الأسهل ؛ الطريق الممهد دون أن ينظر لما يستطيع تحقيقه بالاعتماد على نفسه ؛ فالجميع أراد أن يكون بداخل مالكوفتش ، الجميع أراد أن يكون ذلك المشهور المحبوب الوسيم اللامع دون أن ينظر إلى نفسه فى المرآة ليرى من يكون بالفعل ؟ و ماذا يريد ؟ و ما الذى يجب عليه فعله لتنفيذ ما يريده ؟
سيناريو هذا الفيلم قد وصٌّل كوفمان بنجاح الى الأكاديمية ليحصل على ترشيحه الأول فى فئة أفضل سيناريو أصلى بالإضافة لترشح سبايك جونز لجائزة أفضل مخرج و ترشح كاثرين كينر صاحبة دور ماكسين لجائزة أفضل ممثلة بدور مساعد .
Adaptation 2002
ان كنت تظن أن ما حدث فى Being John Malkovich كان الأكثر جنوناً فأنت مخطئ بشدة فلقد تعدى كوفمان الحدود ليقدم لنا فيلم يجسد فيه نفسه و يقدم فيه محاولته لكتابة سيناريو فيلم عن الأزهار مبنى على كتاب “The Orchid Thief” و هو الكتاب المبنى عليه هذا الفيلم فى الحقيقة .. بمعنى آخر يقدم لنا تشارلي كوفمان قصة كتابته لهذا الفيلم مع إضافة بعض الخيال بالطبع .
فكرة الفيلم هى أحد أغرب ما يمكن أن تراه فشخصيات الفيلم أغلبها شخصيات حقيقية موجودة بواقعنا عدا شخصية الأخ التوأم لتشارلى “دونالد” و الذى صنعه من مخيلته و بالرغم من ذلك كان وفياً لهذا الأخ الخيالى بشكلٍ لا يُصدق فنجد بتتر النهاية أن ذلك الأخ قد شاركه بكتابة الفيلم و عند ترشحه للأوسكار ترشحا معاً كذلك !
الفيلم يوضح ما يحدث بكواليس كتابة السيناريو و يركز على حالة “Writer’s Block“ و هى حالة يعانى منها الكاتب و يفقد فيها القدرة على إنتاج عمل إبداعى جديد ؛ فيوضح تشارلي كوفمان مدى صعوبة هذه الحالة و مدى تأثيرها عليه ككاتب .
الفيلم أيضاً يركز على فكرة الخوف الزائد من كل شئ و انعدام الثقة بالنفس الذى عانت منه شخصية تشارلى كوفمان فى هذا الفيلم على عكس أخيه التوأم دونالد “الخيالى” الذى كان واثقاً من نفسه و ناجح فى حياته الإجتماعية بالرغم من كونهما متماثلين ليؤكد أن الأمر بيديك أنت لا بيد شكلك أو طباعك .
” You are what you love, not what loves you. That’s what I decided a long time ago “
استطاع تشارلي كوفمان بهذا السيناريو العبقرى أن يترشح مرة أخرى للأوسكار بجائزة السيناريو المقتبس بالإضافة لنجاح الفيلم فى الحصول على عدد من الترشيحات الأخرى لنيكولاس كيدج و ميريل ستريب كأفضل ممثل و ممثلة فى دور رئيسى كما استطاع أن يحصل كريس كوبر على أوسكاره الوحيد كأفضل ممثل بدور مساعد .
Eternal Sunshine Of The Spotless Mind 2004
يقدم لنا الفيلم قصة حب “جويل” و “كليمانتاين” و التى تنتهى على نحوٍ سئ مما يدفع كليمانتاين للقيام بمحو ذكرى علاقتهم من عقلها فيتبعها جويل بفعل المثل و لكن الأمور لا تسير بتلك السلاسة التى تخيلها كلاهما .
فيلمنا يركز على فكرة الحب و معناه و على العوامل التى بسببها تنهار العلاقة بين طرفين حتى و إن كانت مشاعرهم مازالت مرتبطة ، و كيف عندما يكون الحب قوياً تصبح المشاعر خالدة و يتعدى الأمر حاجز الذكريات و العقل و يصبح مرتبطاً مباشرة بالقلب فببساطة يمكنك أن تخرج أحدهم من عقلك ، و لكن إخراجه من قلبك فهى مسألة أخرى .
من وجهة نظرى الشخصية أرى أن هذا الفيلم هو أفضل و أجمل أفلام كوفمان بل و أكثرهم تأثيراً نظراً لكون تركيز الفيلم الأساسى على مشاعر المُشاهد عكس باقى أفلام تشارلي كوفمان الذى دائماً ما كان يخاطب عقل المُشاهد فى المقام الأول و من خلال هذا السيناريو تلقى كوفمان أوسكاره الأول و الوحيد بجائزة أفضل سيناريو .
Synecdoche, New York 2008
يحكى الفيلم قصة الكاتب المسرحى الموهوب “كادين كوتارد” الذى تعدى الأربعين من عمره و هو يشاهد حياته العائلية تتساقط أمام عينيه و المرض ينهش جسده و هو يحاول مطاردة حلمه بتقديم مسرحية تعبر عن الحياة كاملة بنيويورك .
هذا الفيلم تحديداً أعتبره شخصياً التجربة الأعقد و الأصعب من بين جميع أفلامه فلم يكتفى بفكرة واحدة ليركز عليها فيلمه و لكنه تحدث عن كل شئ من اختيارات الإنسان و مدى تأثير نتائجها عليه و على من حوله ، الوحدة فى أحد أقسى صورها ، الفقد ، القدر ، الموت و الكثير من الأمور التى يصعب جمعها فى سياق واحد و هو ما كان مربكاً فى كثير من الأحيان خاصةً أن الفيلم كان يتنقل باستمرار بين الأوهام و الحقيقة و الماضى و الحاضر و المستقبل .
كما استطاع الفيلم جمع الكثير من الأفكار المتناقضة فكذلك فعل على المستوى الجماهيرى و النقدى فإما أن تصبح معجباً بشدة مما شاهدت أو تكون ساخطاً تماماً على التجربة ككل ؛ بالرغم من ذلك ما يمكننا أن نتفق عليه هو روعة حوار الفيلم و مدى إتقان فيليب سيمور هوفمان لتجسيده لدور كادين و الذى أعتبره أحد أقوى التجسيدات التى شاهدتها على الإطلاق بالقرن الحالى .
Anomalisa 2015
تدور أحداث الفيلم عن “مايكل ستون” الذى يعانى من مشكلة غريبة تتمثل فى كون اصوات الأشخاص الذى يتعامل معهم هو صوت واحد لا يتغير حتى يقابل بالصدفة “ليزا” التى يجد أنها تمتلك صوتاً أنثوياً مختلفاً عن ذلك الصوت الذى لا يسمع غيره من الآخرين .
فى هذا الفيلم ندخل إلى رأس رجل عجوز وحيد فقد كل شئ و لم يبقى له الكثير فيحاول أن يمرر أيامه و يتناسى وحدته و عجزه و فشله من خلال الذهاب الى عالم الخيال الذى صنعه لنفسه ؛ ذلك العالم الذى يجمع ما بين خياله و أمنياته و ما بين ماضيه الكئيب مع والديه و فى خلال هذه الرحلة نستعرض أفكار مختلفة عن الموت و الوحدة و الزمان نفسه و التى لا تقل تشاؤماً عن أقرانها بفيلم Synecdoche, New York !
تعليقات
إرسال تعليق