الحضارة وسخطها \ سيجموند فرويد


 

ﻫﻨﺎﻙ ﺳﺒﺐ ﺁﺧﺮ ﺃﻳﻀﺎ ﻟﻠﺨﻴﺒﺔ ﻭﻻ‌ﻧﻘﺸﺎﻉ ﺍﻷ‌ﻭﻫﺎﻡ. ﻓﺨﻼ‌ﻝ ﺍﻷ‌ﺟﻴﺎﻝ ﺍﻷ‌ﺧﻴﺮﺓ ﺗﻤﻜﻨﺖ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻝ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﻔﻴﺰﻳﺎﺋﻴﺔ ﻭﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻭﺗﻄﺒﻴﻘﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﺘﻘﻨﻴﺔ ﻣﻦ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺗﻘﺪﻡ ﺧﺎﺭﻕ ﻟﻠﻤﺄﻟﻮﻑ، ﻭﻗﺪ ﺑﺴﻄﺖ ﺑﻨﺘﻴﺠﺔ ﺫﻟﻚ ﺳﻴﻄﺮﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺼﻮﺭﻩ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻴﻮﻡ. ﻭﺳﻤﺎﺕ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻘﺪﻡ ﻣﻌﺮﻭﻓﺔ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ ﺇﻟﻰ ﺣﺪ ﻳﻐﻨﻲ ﺣﺘﻰ ﻋﻦ ﺗﻌﺪﺍﺩﻫﺎ. ﻭﺑﻨﻮ ﺍﻹ‌ﻧﺴﺎﻥ ﻓﺨﻮﺭﻭﻥ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﻔﺘﻮﺣﺎﺕ، ﻭﻫﻢ ﻓﻲ ﻓﺨﺮﻫﻢ ﻫﺬﺍ ﻣﺤﻘﻮﻥ. ﺑﻴﺪ ﺍﻧﻪ ﻳﺨﻴﻞ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﺍﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻴﻄﺮﺓ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﺍﻟﻌﻬﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﻭﺍﻟﺰﻣﺎﻥ، ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻻ‌ﺳﺘﺮﻗﺎﻕ ﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ، ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻟﺼﺒﻮﺍﺕ ﻭﺃﻣﺎﻧﻲﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﺮ ﺁﻻ‌ﻑ ﺍﻟﺴﻨﻴﻦ، ﻟﻢ ﺗﺰﺩ ﺍﻟﺒﺘﺔ ﻣﻦ ﻣﻘﺪﺍﺭ ﺍﻟﻤﺘﻌﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻨﺘﻈﺮﻭﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ. ﻭﻣﻦ ﺛﻢ، ﻻ‌ ﻳﻌﻤﺮ ﺃﻓﺌﺪﺗﻬﻢ ﺍﻹ‌ﺣﺴﺎﺱ ﺑﺄﻧﻬﻢ ﺻﺎﺭﻭﺍ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺫﻟﻚ ﺃﻛﺜﺮ ﺳﻌﺎﺩﺓ، ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻔﺮﻭﺽ ﺍﻥ ﻳﻜﺘﻔﻮﺍ ﺑﺎﻻ‌ﺳﺘﻨﺘﺎﺝ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﺴﻴﻄﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﺷﺮﻁ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ، ﻛﻤﺎ ﺍﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﺍﻟﻬﺪﻑ ﺍﻟﻴﺘﻴﻢ ﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻤﺪﻳﻦ. ﻻ‌ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻨﺘﺠﻮﺍ ﺍﻥ ﺗﻘﺪﻡ ﺍﻟﺘﻘﻨﻴﺔ ﻏﻴﺮ ﺫﻱ ﻗﻴﻤﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ "ﺍﻗﺘﺼﺎﺩ" ﺳﻌﺎﺩﺗﻨﺎ. ﻭﺑﺎﻟﻔﻌﻞ، ﺃﻟﻦ ﻧﻤﻴﻞ ﺇﺯﺍﺀ ﺍﻻ‌ﺳﺘﻨﺘﺎﺝ ﺍﻷ‌ﺧﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻻ‌ﻋﺘﺮﺍﺽ ﺑﻘﻮﻟﻨﺎ: ﺃﻟﻴﺲ ﻣﻜﺴﺒﺎ ﺇﻳﺠﺎﺑﻴﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﺬﺓ، ﺍﻻ‌ ﻳﺰﺩﺍﺩ ﺑﻼ‌ ﻟﺒﺲ ﺷﻌﻮﺭﻱ ﺑﺎﻟﺴﻌﺎﺩﺓ، ﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﺃﻣﻜﻨﻨﻲ ﺃﻥ ﺃﺳﻤﻊ ﻣﺘﻰ ﻣﺎ ﺷﺌﺖ ﺻﻮﺕ ﻭﻟﺪﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﻄﻦ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ ﻣﺌﺎﺕ ﺍﻟﻜﻴﻠﻮﻣﺘﺮﺍﺕ، ﺃﻭ ﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﺃﺗﻤﻜﻨﻨﻲ ﺍﻥ ﺍﻋﻠﻢ ﻓﻮﺭ ﻧﺰﻭﻝ ﺻﺪﻳﻘﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺎﺧﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻠﻪ ﺃﻥ ﺭﺣﻠﺘﻪ ﺍﻟﻄﻮﻳﻠﺔ ﻭﺍﻟﺸﺎﻗﺔ ﻗﺪ ﺍﻧﺘﻬﺖ ﺑﺴﻼ‌ﻡ. ﺃﻫﻮ ﺷﻲﺀ ﺗﺎﻓﻪ ﺍﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻄﺐ ﻗﺪ ﺍﻓﻠﺢ ﻓﻲ ﺗﺨﻔﻴﺾ ﻧﺴﺒﺔ ﻭﻓﻴﺎﺕ ﺍﻷ‌ﻃﻔﺎﻝ، ﻭﻓﻲ ﺗﻘﻠﻴﺺ ﺃﺧﻄﺎﺭ ﺇﺻﺎﺑﺔ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﺎﻟﻌﺪﻭﻯ ﺗﻘﻠﻴﺼﺎ ﻳﺒﻌﺚ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﻫﺸﺔ ﺣﻘﺎ؟ ﺃﻫﻮ ﺷﻲﺀ ﻋﺪﻳﻢ ﺍﻟﻘﻴﻤﺔ ﺍﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻄﺐ ﻋﻴﻨﻪ ﻗﺪ ﻧﺠﺢ ﻓﻲ ﺇﻃﺎﻟﺔ ﺍﻷ‌ﻣﺪ ﺍﻟﻤﺘﻮﺳﻂ ﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻹ‌ﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﺘﻤﺪﻥ ﺑﻌﺪﺩ ﻏﻴﺮ ﻫﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻨﻴﻦ؟ ﺃﻧﻪ ﻟﻔﻲ ﻣﺴﺘﻄﺎﻋﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﻀﻴﻒ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺤﺎﺳﻦ، ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺪﻳﻦ ﺑﻬﺎ ﻟﻌﺼﺮ ﺍﻟﺘﻘﺪﻡ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ ﻭﺍﻟﺘﻘﻨﻲ ﻫﺬﺍ، ﻋﻠﻰ ﻛﺜﺮﺓ ﻣﺎ ﻳﺘﻌﺮﺽ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺫﻡ ﻭﺗﺤﻘﻴﺮ، ﻗﺎﺋﻤﺔ ﺑﻜﺎﻣﻠﻬﺎ.... ﻭﻟﻜﻦ ﻫﻮ ﺫﺍ ﺻﻮﺕ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﻤﺘﺸﺎﺋﻢ ﻳﻌﻠﻮ ﻭﻳﺮﺗﻔﻊ! ﺍﻟﺼﻮﺕ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺒﺚ ﻓﻲ ﺍﻵ‌ﺫﺍﻥ ﺍﻥ ﻏﺎﻟﺒﻴﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﺴﻬﻴﻼ‌ﺕ ﻫﻲ ﻣﻦ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﻣﻤﺎﺛﻠﺔ ﻟﺘﻠﻚ "ﺍﻟﻠﺬﺓ ﺍﻟﺮﺧﻴﺼﺔ" ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻄﺮﻳﻬﺎ ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻓﺔ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ: ﻋﺮِّﺽ ﺳﺎﻗﻚ ﺍﻟﻌﺎﺭﻳﺔ ﻟﻠﺒﺮﺩ، ﺧﺎﺭﺝ ﺍﻟﻔﺮﺍﺵ، ﻓﺘﻔﻮﺯ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﺑـ "ﻟﺬﺓ" ﺇﻋﺎﺩﺗﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﻑﺀ! ﻓﻠﻮﻻ‌ ﺍﻟﺴﻜﻚ ﺍﻟﺤﺪﻳﺪﻳﺔ، ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻟﻐﺖ ﺍﻟﻤﺴﺎﻓﺔ، ﻫﻞ ﻛﺎﻥ ﺃﻭﻻ‌ﺩﻧﺎ ﻏﺎﺩﺭﻭﺍ ﻣﺴﻘﻂ ﺭﺃﺳﻬﻢ، ﻭﻫﻞ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﺘﻮﺟﺪ، ﻣﻦ ﺛﻢ، ﺣﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻠﻔﻮﻥ ﻟﺴﻤﺎﻉ ﺻﻮﺗﻬﻢ؟ ﻭﻟﻮﻻ‌ ﺍﻟﻤﻼ‌ﺣﺔ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﻤﺤﻴﻄﺎﺕ ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺻﺪﻳﻘﻲ ﻓﻜﺮ ﺑﺎﻟﺴﻔﺮ، ﻭﻟﻜﻨﺖ ﺍﺳﺘﻐﻨﻴﺖ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﻠﻐﺮﺍﻑ ﻟﻼ‌ﻃﻤﺌﻨﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﻴﺮﻩ. ﻭﻣﺎ ﺍﻟﻔﺎﺋﺪﺓ ﻣﻦ ﺗﻘﻠﻴﺺ ﻭﻓﻴﺎﺕ ﺍﻷ‌ﻃﻔﺎﻝ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺺ ﺫﺍﺗﻪ ﻳﻔﺮﺽ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺍﻥ ﻧﻀﺒﻂ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﺿﺒﻄﺎ ﺷﺪﻳﺪﺍ ﻓﻲ ﺍﻹ‌ﻧﺴﺎﻝ، ﻭﺇﺫﺍ ﻛﻨﺎ ﺑﻌﺪ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻻ‌ ﻧﺮﺑﻲ ﻋﺪﺩﺍ ﻣﻦ ﺍﻷ‌ﻃﻔﺎﻝ ﺍﻛﺒﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﻨﺎ ﻧﺮﺑﻴﻪ ﺃﻳﺎﻡ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻘﻮﺍﻋﺪ ﺣﻔﻆ ﺍﻟﺼﺤﺔ ﻣﻦ ﻭﺟﻮﺩ، ﻭﻫﺬﺍ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻃﺮﺃ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﺗﻌﻘﻴﺪ ﻋﻠﻰ ﺷﺮﻭﻁ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ ﺍﻟﺠﻨﺴﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ ﻭﺍﻧﺘﻔﻰ ﻓﻲ ﺃﻏﻠﺐ ﺍﻟﻈﻦ ﺍﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﺍﻹ‌ﻳﺠﺎﺑﻲ ﻟﻼ‌ﻧﺘﺨﺎﺏ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻲ؟ ﻭﻣﺎﺫﺍ ﻧﺠﻨﻲ ﺃﺧﻴﺮﺍ ﻣﻦ ﻃﻮﻝ ﺃﻣﺪ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻋﻴﻨﻬﺎ ﺗﺮﻫﻖ ﻛﻮﺍﻫﻠﻨﺎ ﺑﺄﻋﺒﺎﺀ ﻭﻣﺸﺎﻕ ﻻ‌ ﺗﻘﻊ ﺗﺤﺖ ﺣﺼﺮ، ﻭﺇﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻘﻴﺮﺓ ﺑﺎﻷ‌ﻓﺮﺍﺡ، ﻏﻨﻴﺔ ﺑﺎﻵ‌ﻻ‌ﻡ، ﺇﻟﻰ ﺣﺪ ﻧﺮﺣﺐ ﻣﻌﻪ ﺑﺎﻟﻤﻮﺕ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﺧﻼ‌ﺻﺎ ﺳﻌﻴﺪﺍ؟


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كلُّه نكتة كونيّة \ روبرت أدمز

رسالة دوستويفسكي إلى اخيه ميخائيل بعد أن نجى من الاعدام بأعجوبة

قبل بزوغ الشمس \ فريدريك نيتشه

الإرتباك الوجودي الذي ينجم عن حالة الملل

على الطريق \ فريدريك نيتشه

قرد في الأكاديمية \ فرانز كافكا

كتاب مت فارغا \ تود هنري

هل الوعي حرٌّ؟ آناكا هاريس

الجمر البري \ نيكيتا جيل

تجنب الألم \ فيليب فان دان بوسش