كتاب اللاطمأنينة \ فرناندو بيسوا


 


يقول في بداية كتابه "عندما جاء الجيل الذي أنتمي إليه إلى الوجود، لم يجد أي سند عقلي أو روحي، ذلك أن العمل الهدام الذي قامت به الأجيال السابقة لنا جعل العالم الذي ولدنا فيه مفتقراً إلى الأمان الديني، وإلى الدعم الأخلاقي، وإلى الاستقرار السياسي، لقد ولدنا إذاً في أوج القلق الميتافيزيقي، في أوج القلق الروحي، وفي أوج اللاطمأنينة السياسية". يقول في أحد مقالاته والتي عنونت بالزهو اللامجدي: الذكاء الحقيقي يتحقق في الفعل.. سأكون ما أرغب في أن أكون، لكن علي أن أرغب في ذلك أولا .. والنجاح يكون بتحقيق النجاح وليس بامتلاك مؤهلات تحقيقه .. بإمكان الشخص أن يمتلك مؤهلات الحصول على قصر .. لكن أين يوجد القصر إن لم يتم تشييده هناك؟

حديث النثر: أفضّل النثر على الشعر، في النثر نحن نتحدث أحراراً ، بإمكاننا أن نضمن إيقاعاتَ شعرية، وأن نوجد خارجها .. كما أن تسرب إيقاع شعري إلى النثر لا يعوق النثر، لكن تسرب إيقاع نثري عرضاً إلى الشعر يعوق الشعر.

شهوة الكلمات: أكره النحو المستعمل مغلوطاً كراهيتي لأشخاص يتوجب صفعهم، أكره الاستعمال اللامضبوط لقواعد الإملاء، كما لو أن الأمر يتعلق ببصقة مباشرة. أجل، ذلك

أن قواعد الإملاء هي كائنات بشرية بدورها .. الكلمة كائن كامل مرئية ومسموعة!!

ملوك الواقع ملوك الحلم: بإمكان أي شخص إذا كان ممتلكاً للحكمة الحقيقية أن يستمتع بالمشهد الكامل للعالم بدون معرفة للقراءة وبدون حاجة إلى الحديث مع أي كان، فقط بواسطة الاستخدام السليم للحواس وبروح لا تعرف كيف تكون حزينة.

سرير ناعم: العبودية هي قانون الحياة، وليس ثمة قانون آخر، والقانون ينبغي احترامه، وما من إمكانية هناك لأي تمرد وما من ملجأ يمكن اللوذ به. البعض يولدون عبيداً ، وآخرون يتحولون إلى عبيد، وآخرون منحوا العبودية. العشق الجبان الذي نكنه جميعاً للحرية التي لو امتلكناها لاستغربناها لأنها جديدة ولرفضناها، وهي العلامة الحقيقية لثقل عبوديتنا. أنا بحجم ما أراه: أعاود بلا اكتراث قراءة تلك العبارات البسيطة "لكاييرو" متلقياً ما أحسه كإلهام وتحرير للنفس .. يقول "كاييرو" يمكن أن يرى العالم من القرية أكثر مما يرى من المدينة، لذلك كانت القرية أكبر حجما من المدينة .. لأنني بحجم ما أراه، لا بحجم قامتي..

"ملاحظة: كاييرو هو أحد الأنداد الأدبيين لبيسوا .. ابتكره عام ١٩٠٨م وأعلن وفاته سنة١٩١٥م.

حركات: يقولون إن السأم هو مرض الخاملين، أو أنه يصيب فقط أولئك الذين ليس لديهم ما يفعلون غير أن هذا المرض الروحي أدق وأخفى في الحقيقة، وهو أقل رأفة بالعاملين أو المتظاهرين بالعمل.

نهاية نهار: أحيانا افكر بمتعة حزينة، فيما لو كُتب ذات يوم لهذه العبارات التي أكتبها أن تحيا مقرونة بالثناء في مستقبل منذ الآن لا أنتمي اليه .. سأكون قد مت منذ زمن طويل سأغدو مفهوماً في الصورة المطبوعة فقط .. وعندما يفهمون ذلك عليهم أن يسجلواأنني لم أكن مفهوماً في الحقبة التي عشتها .. وأنني عشت مع الأسف بين أشكال من الجفاء واللامبالاة .. والذي يكتب في الحقبة التي يكتب فيها، سيكون غير فاهم ولا مدرك لشبيهي في هذا الزمن المستقبلي.

مراوح مقفلة: إنني مقتنع تماماً بأنني لا أعرف الاستيقاظ البتة ولا أدري ما إذا كنت أحلم وأنا أعيش، أم أعيش وأنا أحلم .. أم أن الحلم والحياة يوجدان في مختَ لطين متقاطعين بحيث يتشكّ ل منهما وعيي على نحو متداخل.

الأبن الذي لم أكنه: لا أتذكر أمي، توفيت عندما كنت في عامي الأول، كل ما في حساسيتي من تشتت وقسوة يأتي من غياب ذلك الدفء ومن الحنين اللامجدي للقبلات التي لا أتذكرها، أنا مزيف لقد استيقظت دائما في أحضان الغير مهدهداً باللامبالاة..

والدي الذي كان يعيش بعيداً ، قُتل عندما كنت في الثالثة عشر ولم يسبق أن تعرفت عليه قطّ ، ما زلت لا أعرف لماذا كان يعيش بعيداً ، لم أهتم قطّ بمعرفة ذلك.

خجل ذهني: ما أعانيه فوق كل شيء، هو التعب، وهو تلك اللاطمأنينة التي هي توأم التعب حينما يفتقر إلى أي مبرر لكي يكون سوى ما هو عليه، لدي ارتياب باطني في الحركات التخطيطية، خجل ذهني من الكلمات التي علي أن أتلفظ بها .. كل شيء يبدو محكوماً عليه مسبقاً بالإخفاق.

على الورق: لو وجدت في الفن وظيفة مكمل، لكانت لي في حياتي وظيفة .. أن آخذ مؤلفاً من وضع الغير، وأن اشتغل فحسب لتحسينه وإكماله، على هذا النحو ربما ألفت الإلياذة .. ما لست أريد هو المجهود الضروري للخلق الأولي.

رذيلة: كل لذة رذيلة، لأن البحث عن الذات هو ما يقوم به الجميع، الرذيلة الوحيدة السوداء هي أن تفعل ما يفعله جميع الناس.

شتائم الحياة: الطموح أو الرغبة هما ما يحثنا على السعي وراء الأشياء كلها، لكن موقفنا في النهاية لا يخرج عن إحدى حالين : إما أن نفشل في تحقيق المسعى وحينئذٍ نغدو مساكين وإما أن نخال أننا نجحنا في تحقيقه، فنصبح مجانين أثرياء.

الرحالة الأكبر: الرحالة الوحيد ذو الروح الحقيقية الذي عرفته كان هو الفتى العامل في المكتب الواقع في مبنى آخر حيث كنت مستخَ دماً فيه .. لقد كان ذلك الفتى مهووساً بجمع منشورات الدعاية السياحية للمدن، والدول وشركات النقل .. كانت لديه خرائط بعضها منزوع من الجرائد .. كانت لديه قصاصات ليوميات ومجلات .. كان يقصد الوكالات السياحية، ويطلب منها ملصقات عن أسفار وكتيبات سياحية إلى إيطاليا، إلى الهند،

منشورات أسفار متبادلة بين البرتغال وأستراليا .. لكنه قد يتذكر ذات يوم وهو مسن أن الحلم "ببوردو" بدلا من النزول بها ليس هو الأفضل فحسب، بل هو الحقيقي.

حزن الشاعر: من يقرأ صفحات هذا الكتاب السابقة لهذه، سوف يتكون لديه انطباع بأنني رجلُ حالم، سيكون مخدوعا إن تصور ذلك، فلكي أكون حالماً أحتاج إلى المال. ملَك الموت: الحرية هي امتلاك إمكانية العزلة. حر أنت إن استطعت الابتعاد عن الناس وبدون أن تجبرك على اللجوء إليهم، الحاجة إلى المال، أو الحاجة الاجتماعية، أو الحب، أو المجد، أو الفضول، تلك الحاجات التي لا يمكن أن تجد غذاءها في الصمت والوحدة، إذا وجدت العيش لوحدك مستحيلا، فقد ولدت عبداً إذن.

هذه اليوميات: هذه اليوميات التي كتبتها لنفسي، سوف تبدو لكثيرين مغالية في تصنَّعها.. غير أن التصنّع من طبيعتي. بماذا سأتلهى، علاوة على ذلك، إن لم يكن بكتابة هذه الحواشي الروحية فيما عدا ذلك أنا أكتبها وأجمعها بغير عناية خاصة .. أشغل فكري بالطبع بلغتي المرهفة هذه.

كتاب طويل جداً .. يعتبر مؤخراً أحد أكثر الكتب مبيعاً في معارض الكتاب العربية .. فيه كثير من الإبداع الأدبي والإنساني .. ويغوص في الذات ويبحر في اللاواقع والأحلام .


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كلُّه نكتة كونيّة \ روبرت أدمز

رسالة دوستويفسكي إلى اخيه ميخائيل بعد أن نجى من الاعدام بأعجوبة

قبل بزوغ الشمس \ فريدريك نيتشه

الإرتباك الوجودي الذي ينجم عن حالة الملل

على الطريق \ فريدريك نيتشه

قرد في الأكاديمية \ فرانز كافكا

كتاب مت فارغا \ تود هنري

هل الوعي حرٌّ؟ آناكا هاريس

الجمر البري \ نيكيتا جيل

تجنب الألم \ فيليب فان دان بوسش