نحن نسافر لنقترب أكثر من معرفة ذواتنا الحقيقية
نحن نسافر لنقترب أكثر من معرفة ذواتنا الحقيقية، لنغوض في أعماقنا ونتجاوز الحدود العاطفية والمادية:
إبن عربي:
”السفر هو معبر لذواتنا الحقيقية“
أنتوني بورداين:
”السفر يدور حول ذلك الشعور الرائع بالتأرجح في المجهول“
شيماماندا نغوزي أديشي:
”أعتقد أنك تسافر للبحث وتعود إلى الوطن لتجد نفسك هناك“
آلان دو بوتون:
”المتعة التي نستقيها من السفرات ربما تعتمد على العقلية التي نسافر بها أكثر من اعتمادها على الوجهة التي نسافر إليها— ما نجده إكزوتيكياً (غريبًا) في الخارج ربما هو ما نتوق إليه دون طائل في الوطن“
يقول المعلم الروحاني بيكو ايير : ”نسافر في البداية لكي نفقد أنفسنا، ونسافر بعد ذلك لنجدها. نسافر كي نفتح قلوبنا وعيوننا ونتعرف أكثر على العالم. نسافر خصوصاً لكي نعود مجانين صغاراً نعمل على إبطاء الوقت والانخراط فيه، والوقوع في الحب مرة أخرى“
”العالم مثل الكتاب، و من لا يسافر يقرأ منه صفحة واحدة فقط“ ، كما قال القديس أوغسطين ؛ و ”من لم ير إلا بلده يكون قد قرأ الصفحة الأولى فقط من كتاب الكون“ كما قال فرانسيس بيكون.
السفر هو إنعتاق من القيود المكانيّة و الزمانيّة فالشخص الذي لا يبرح منزله يبقى بنفس المستوى العقلي والثقافي كالحجر لا يتغير ولا يتزحزح من مكانه؛ و لا تتم فائدة الانتقال من بلد إلى بلد إلا إذا انتقلت النفس من شعور إلى شعور ؛ ”فإذا سافر معك الهم فأنت مقيم لم تبرح مكانك“ كما قال مصطفى صادق الرافعي ، وكما ذكر أيضا توماس فولر : ”إذا ذهب الحمار مسافرًا فلن يعود إلى المنزل حصانًا.“
ومن اجمل انواع السفر ؛ السفر الهائم ، حيث لا توجد وجهة محددة ؛ وهذا النوع لا يسلكه الا المتصوفة وا لدراويش واصحاب المغامرات و المتسكعين الغجر و الصعاليك ، وقد عبر المتصوفة عن السفر الداخلي بالأسفار او مراحل السير و السلوك نحو الله او رحلة اكتشاف الحقيقة؛ فمن خلاله تتعرف على الثقافات المختلفة الاخرى وتزداد معرفتنا وخبرتنا في شؤون الحياة واحوال بني
البشر , ونراجع حساباتنا ونحاسب انفسنا ونخلو بها.
يجيب الأديب اللبناني عيسى مخلوف في (عين السراب) عن سؤال لماذا نسافر؟:
”نسافرُ حتّى نبتعدَ عن المكان الذي أنجبَنا ونرى الجهةَ الأخرى من الشروق. نسافر بحثاً عن طفولاتنا، عن ولادات لم تحدث. نسافر لتكتمل الأبجديّاتُ الناقصة. ليكونَ الوداع مليئاً بالوعود. لنبتعدَ كالشَّفَق يرافقُنا ويودِّعُنا. نمزّق المصائر ونبعثر صفحاتها في الريح قبل أن نجد – أو لا نجد – سيرتنا في كُتُب أخرى.
نسافر نحو المصائر غير المكتوبة. نسافر لنقولَ للّذين التقيناهم إنّنا سنعود ونلتقي بهم. نسافر لنتعلّم لغة الأشجار التي لا تسافر. لنلمِّعَ رنينَ الأجراس في الأودية المقدَّسة. لنبحثَ عن آلهة أكثرَ رحمة. لننزعَ عن وجوه الغرباء أقنعةَ الغُربة. لنُسِرَّ للعابرين بأنّنا مثلهم عابرون وبأنّ إقامتَنا مُوَقَّتة في الذاكرة والنسيان. بعيداً عن الأمّهات اللواتي يشعلن شمعةَ الغياب، ويرقِّقن قشرة الوقت كلّما ارتفعت أيديهنّ إلى السماء.
نسافر حتّى لا نرى أهلنا يشيخون، ولا نقرأ أيّامهم على وجوههم. نسافر في غفلة من الأعمار المبدَّدة سَلَفاً. نسافرُ لنبلّغَ الذين نحبُّهم أنّنا لا نزال نُحبّ، وأنّ البُعدَ لا يقوى على دهشتنا، وأنّ المنافي لذيذة وطازجة كالأوطان. نسافر حتّى إذا ما عدنا إلى أوطاننا أحسسنا أنّنا مهاجرون في كلّ مكان. هكذا بغتةً، ننفضُ عن أجنحتنا الشرفات المشرَّعة على الشمس والبحر. نسافر حتّى لا يعودَ ثمّة فرقٌ بين هواء وهواء، بين ماء وماء، بين سماء وجحيم. نهزأُ من الوقت. نجلسُ وننظرُ إلى المدى. نرى الأمواج تتقافزُ كالأطفال. يمضي البحرُ أمامنا بين سفينتَين، واحدة ترحل، وأُخرى من ورق في يد طفل.
نسافرُ كما ينتقلُ المهرّجُ من قرية إلى قرية، ومعه حيواناتُه تلقّن الأطفالَ أمثولتَهم الأولى في السأَم. نسافر لنخدعَ الموت، فنتركه يتعقَّبُنا من مكان إلى آخر. ونظلُّ نسافر إلى أن لا نجدَ أنفسنا في الأمكنة التي نسافرُ إليها. لنضيعَ فلا يعثر علينا أحد“
تعليقات
إرسال تعليق