إلى حين موت الموت \ جوزيف دو ميستر
في كامل القبة الفسيحة للطبيعة الحيّة يتحكّم عنف مفتوح، نوع من الغضب المعياري الذي يسلّح جميع المخلوقات على نحو يؤدّي إلى هلاكها المشترك: بمجرّد أن تغادر مملكة الجماد فإنّك ستجد ناموس الموت العنيف منقوشاً على تخوم الحياة. تشعر به بدايةً في مملكة الخضار: من شجرة ضخمة إلى أصغر وأضعف الأعشاب. كم من النباتات تموت وكم منها يُقتل، وما أن ندخل مملكة الحيوان حتى يصبح هذا القانون فجأةً بيّناً بصورة مروّعة. قوّة ما، عنف ما، خفيّان وصريحان في آنٍ... حدّدا في كلّ الأنواع عدداً معيّناً من الحيوانات لتفترس الحيوانات الأخرى: وهكذا فإنّ هناك حشرات تفترس، وزواحف تفترس، وطيوراً تفترس، وأسماكاً تفترس، وحيواناتٍ ذات أربع تفترس. لا توجد لحظة زمنية لا يقوم فيها مخلوق بافتراس مخلوق آخر. وبين جميع هذه الأجناس المختلفة من الحيوانات هناك الإنسان، يده المدمّرة لا تستثني أيّ شيءٍ حيّ، فهو يقتل ليحصل على الطعام، وهو يقتل ليغطّي نفسه، وهو يقتل ليزيّن ويزخرف نفسه، وهو يقتل من أجل أن يهاجم، وهو يقتل دفاعاً عن النفس، وهو يقتل ليعلّم نفسه، وهو يقتل ليسلّي نفسه، وهو يقتل ليقتل، ملك فخور ورهيب، يريد كلّ شيء ولا شيء يقاومه. من الحمل يمزّق أحشاءه ليجعل قيثارته تصدح، من الذئب يقتلع نابه القاتلة ليلمّع أعماله الفنية الجميلة، من الفيل أنيابه ليصنع لعبةً لطفل، منضدته مغطّاة بالجثث. ولكنّ من الذي في هذه المجزرة العامة يبيده وهو الذي يبيد كلّ الآخرين؟ هو نفسه. إنّ الإنسان هو المكلّف بذبح الإنسان... هكذا فإنّ المهمّة قد أُنجزت... من اليرقة صعوداً إلى الإنسان... القانون العظيم للتدمير العنيف للكائنات الحية يُنجَز دون توقّف. الأرض كلّها، المخضّبة بالدمّ دائماً وأبداً ليست سوى مذبح فسيح وضخم يجب التضحية عليه بكلّ ما هو حيّ دون نهاية، دون حدّ، دون إمهال، إلى حين استنزاف العالم، إلى حين انقراض الشرّ، إلى حين موت الموت.
تعليقات
إرسال تعليق