التحليل النفسي عن الفن \ فرويد
تطرق التحليل النفسي إلى الكثير من الموضوعات التي تخص حياة الإنسان، وكان الفن ضمن هذه الموضوعات الذي حصل على الاهتمام في العديد من الدراسات، حيث اعتبر فرويد أن كل أشكال التعبير الإبداعية والممارسة الحضارية الاجتماعية تنبعث من آلية التسامي النفسي التي ترتفع بالدوافع المكبوتة إلى نشاطات ملائمة ومنتجة في سياق المعايير الاخلاقية والاجتماعية. وإن الفنان عند فرويد هو إنسان محبط في الواقع؛ لأنه يريد الثروة والقوة والشرف، لكن تنقصه الوسائل للوصول إلى هذه الإشباعات، ومن ثم فهو يلجأ للتسامي بهذه الرغبات وتحقيقها خياليا، فالفن لدى فرويد هو منطقة وسطية بين عالم الواقع الذي يحبط الرغبات، وعالم الخيال الذي يحققها.
ونرى ذلك في أعمال فرويد، حيث قام بدراسة بعض الأعمال الفنية والأدبية، كان أبرزها تناوله للوحات ليوناردو دافينشي وروایات دوستويفسكي خاصة "الأخوة كرامازوف" توقف فرويد بالنسبة إلى دافينشي عند لوحة الموناليزا واصفاً الطبيعة الخاصة التي تتميز ابتسامتها فإن من يفكر في لوحات ليوناردو يتذكر الابتسامة الفاتنة الحائرة التي كان يبدعها على شفاه كل شخصياته الانثوية. كان تفسير ذلك حسب فرويد مرتبط بنشأة عقد أوديب في الطفولة انطلاقا من سيرة الفنان نفسها ولذلك اعتبر أنه من المحتمل تماما أن ليوناردو كان مفتونا بابتسامة موناليزا لأنها أيقظت فيه شيئا كان قد هجع في نفسه زمننا طويلا.
إذا كانت عقدة أوديب قد تجسدت في أعمال دافينشي فإن العقدة نفسها قد عبرت عن وجودها في رواية الأخوة كرامازوف، فمن خلال البحث النفسي في سيرة دوستويفسكي، تمكن فرويد من تمييز ملامح شخصيته التي صنفها في اربعة وجوه : الفنان الخالق، و الاخلاقي، والعصابي، والآثم. ويرجح فرويد أن النوبات التي كانت تصيب دوستويفسكي تعود الى فترة بعيدة في طفولته وأن علينا أن نتناولها على أنها بدأت بأعراض أخف وأنها لم تتخذ صورة العصاب حتى بعد محنة الصدمة التي تلقاها في الثانية عشرة أي مقتل أبيه. ربط فرويد في تحليله بين حادثة قتل الأب التي تعرض لها والد المؤلف، وبين حادثة قتل الأب في العمل الروائي، ولكن هذا الربط لم يكن موجها لاعتبار الحدث التاريخي منعكسا في العمل الروائي، إنما أرد أن ينفي هذه الفكرة نفسها التي رددها بعض الدارسين. لقد اعتبر أن النوبات الهستيرية التي كانت تصيب المؤلف إنما ترتبط أساسا بالرغبة المكبوتة في موت الاب حسب الدافعية المركبة لعقدة أوديب. هكذا بنا فرويد تفسير حالة نوبات الصرع التي كانت تصيب المؤلف، أما قتل الأب في الرواية نفسها فأنه تجسيد لمعطيات عقدة أوديب بوجه غير مباشر حيث يقوم أحد شخصيات الرواية بقتل والده.
تعليقات
إرسال تعليق