كتاب مت فارغا \ تود هنري
لابد للمرء أن يوجه إلى نفسه ماذا تود أن تفعل قبل موتك؟ ما الهدف والغاية التي تستثمر بها طاقاتك وتخرج بها أفضل ما عندك؟ فكم من آلاف الطموحات والأفكار التي لم تنفذ، وملايين الاختراعات التي لم يعمل أحد على تحقيقها، وعشرات الأحلام التي تخلى عنها أصحابها.
1- إسهامك الفريد
هل في حياتك عمل يأخذ جزءا من وقتك ليكون فخرا لك في المستقبل؟ كان ستيف جوبز مؤسس شركة "آبل" يسأل نفسه كل يوم أمام المرآة: "لو كان اليوم آخر أيام حياتي، هل كنت سأفعل ما أنا على وشك فعله اليوم؟"، والحقيقة أن غالب الناس لديهم طاقات مُهدرة، حتى أظهرت بعض الإحصائيات أن فردا من كل أربعة أفراد يشعر باستغلال قدراته بشكل جيد، بينما الثلاثة الآخرون لا يستغلون قدراتهم، فتظل مدفونة بداخلهم في حياتهم وتدفن معهم في قبورهم، وإن كان لديهم المزيد ليفعلوه، لكنهم ادَّخروه إلى الأبد.
البداية لتحقيق إنجازك الفريد أن تبني عادات تساعدك على معرفة قدراتك وإمكانياتك، ومعرفة ما الذي يجعلك راكدا كسولا، وما الذي يجعلك نشيطا متقدا، ثم بعد ذلك تسعى إلى تطوير نقاط قوتك وتقليص نقاط ضعفك.
2- إغراء الحياة العادية
كثيرا ما يحلم المرء بأهداف يود تحقيقها في حياته، وكذلك أفكار ومشاريع وإنجازات، ولكن مع الوقت ينسى أو يتناسى ويعيش حياة "عادية"، فلماذا نطرح طموحاتنا جانبًا ونستبدل بها أمورا سهلة وآمنة؟ حين نتقلد منصبا أو ظيفة وتمر علينا الأيام بعد الأيام، وتزداد خبراتنا وتتطور علاقاتنا ننسى ما امتلكناه من طموحات وأحلام وآمال، ثم شيئا فشيئا نقفد الرغبة في خوض التحديات، حسنا إنه إغراء الحياة العادية، ولكن السؤال كيف يحدث هذا؟
بداية فالحياة العادية لا نخطط لها، وإنما تتكون عبر تراكم الأيام، لو سألت شابا في بدايات حياته عما يبحث عن تحقيقه في المستقبل فمن المستحيل أن تجد من يجيبك أنه يريد أن يمكث في ترتيب الأوراق والمستندات بالساعات، أو أن تكون وسيلة نجاحه في عمله أن يكون متملقًا لرؤسائه أو غير ذلك من الأشياء الرتيبة، إلا أن الواقع يشهد أن هناك من صارت حياته هكذا، ولمواجهة هذا لا بدَّ من السعي دائمًا لاكتساب أرضية جديدة ومهارات جديدة، وعدم الاستسلام للركود.
3- حدد معاركك وكن فضوليا
أي المعارك أولى أن تخوضها؟ يضرب المؤلف مثالا بمن يريد أن يتفوق على أقرانه في لعبة الجولف، فيجد ضرباته ضعيفة لا تذهب بالكرة بعيدا، فيبذل مجهودا لتقوية ضرباته وينجح في ذلك بالفعل، ثم لم يلبث أن يكتشف أن إرساله الكرة بعيدا لا يعني الفوز في اللعبة لأنه مطالب في النهاية بإسقاط الكرة داخل الحفرة، وهو ما غاب عنه ولم يوله اهتماما ومن ثم ضاعت مجهوداته هباء!
اسأل نفسك دائما ما الشيء الذي سأركز عليه اليوم ولا أتنازل عن تحقيقه، وسيصب ذلك في تحقيق هدف أسمى وإنجاز أكبر، وما أبرز نقاط ضعفي وماذا سأفعل حيالها اليوم؟ وخصص لها وقتا كل يوم ولو ربع أو نصف ساعة.
4- اخرج من دائرة الراحة
من أجل أن تصنع إنجازا في حياتك يبقى بعد مماتك عليك أن تعتاد التعب، وتبني نهج النمو وتنمية المهارات طوال عمرك، وإن كنت ترفض أن تعيش الحياة العادية الرتيبة فلا بد من أن تخرج من منطقة راحتك، وإن لم يراقب الإنسان نفسه ويضع خطة لتطوير مستمر لا يتوقف، فسيجد نفسه يبحث عن تحقيق اللذة العاجلة والراحة الآنية، لأن الإنسان في الأصل يبحث عن تجنب الألم ويفضل أن يبقى مستريحا، وعليه إن أراد التفوق أن يتحدى تلك الغريزة البيولوجية، فعليه أن يستمر في تقديم أفضل ما لديه، ولا يبخل بأي مجهود.
5- اعرف نفسك وتأقلم
أحد الأركان الضرورية لتقديم إسهاماتك الفريدة في هذا العالم هو معرفة النفس، ومن ثم مواجهة أوهامك، وعلى هذا فلا بد من فهم كيف تفكر في حياتك وتعاملاتك ومواقفك اليومية، وكل منا له سردية أو مجموعة من المبادئ يعتنقها دون أن يشعر غالبا، ودون أن يكون صريحا مع نفسه بشأن أن هذه المبادئ هي التي تسير حياته، فمنا على سبيل المثال من يعتنق مبدأ "العمل الشاق دوما يكافأ بالخير"، ولكن هذا ليس صحيحا على الدوام.
تخيل معي لو أن هناك مشروعا يشترك فيه عدة أفراد، أحدهم يعتنق هذا المبدأ السابق الذكر ومن ثم يجتهد في القيام بدوره كما ينبغي، وآخر يتكاسل في القيام بما عليه من واجبات، ومع اقتراب موعد الانتهاء من المشروع وقيام صاحبنا بدوره وتقاعس الثاني، يتدخل الأول ويقوم بإتمام واجبات زميله عملا بمبدأ "العمل الشاق يُكافأ بالخير".
ووقت تسليم المشروع قفز المتقاعس ليتحدث عن المشروع وكيف نجح مع زملائه في الانتهاء منه كما ينبغي في الوقت المحدَّد، وقابل الثناء والمدح مقابل ما فعله أو بصورة أدق مقابل ما قاله لأنه لم يفعل ما عليه في الحقيقة، هنا سيصاب صاحب المبدأ بالإحباط، فقد قام بما عليه وزيادة وانتظر المكافأة ولكن زميله المتقاعس خطف منه الأضواء، الشاهد هنا أن هذا المبدأ ليس صحيحًا على الدوام، وهذه السردية لا بدَّ من تعديلها، لتبرز ما قمت بعمله دائمًا، ولا تقدم الزيادة لمن لا يستحقها، ولا تقدمها دون أي مقابل.
هكذا على المرء أن يراجع اعتقاداته على الدوام، وأن يعدِّلها إن وجد فيها خللًا، ولا يعني هذا على الإطلاق أن يتخلَّى عن الأخلاق والمثل، ومن أهم أدوات تحقيق ذلك أن يختار المرء عددًا من القدوات الناجحة ويقتدي بهم في طريقه نحو تحقيق الإسهام الشخصي الأبرز.
وأخيرا ثمة معتقدات ينبغي للمرء أن يتبناها، فعليه أن يتيقَّن أن عمره محدود، وأن أيامه ستنفد يومًا ما، وأن كل إنسان لديه إسهام فريد خاص به وحده دون غيره فعليه أن يسعى إلى تقديمه، فلا يوجد من سيقدِّمه نيابةً عنه، وعلى عكس ما يظن الكثيرون، فالراحة أمر خطير ومزعج، وحب الراحة عدو لدود لطالب المجد، وهذا المجد لن يبنى في يوم وليلة، بل سيحتاج أن توضع بذوره وتُسقى كل يوم بمجهود ووقت، لجني ثماره مستقبلا.
لذا اعرف نفسك جيدا، وأخرج أقصى ما لديك ولا تبخل على نفسك ولا على حياتك كي لا تدفن هذه القدرات والإمكانات معك في قبرك، واسع إلى ما فيه الخير لك ولمن حولك كي تترك علامة فارقة تدل عليك بعد رحيلك، باختصار: لا تمت قبل أن تحقق أحلامك.. مت فارغا!
تعليقات
إرسال تعليق