أزمة الهوية في عالم مُنمّط: نظرة على فكر إريك فروم
أزمة الهوية في عالم مُنمّط: نظرة على فكر إريك فروم
يرى إريك فروم أن الإنسان المعاصر يعيش في خضم أزمة هوية عميقة، حيث تتلاشى ملامح الذات الأصيلة تحت وطأة متطلبات مجتمع استهلاكي يسعى لقولبة الأفراد وفقًا لمعايير السوق والنجاح المادي. في هذا السياق، يُجبر الفرد على ارتداء "أقنعة اجتماعية" زائفة تخفي جوهره الحقيقي، مما يؤدي إلى شعور بالاغتراب وفقدان الذات.
لقد تحول الإنسان، في نظر فروم، إلى سلعة تُقاس قيمتها بمدى توافقها مع متطلبات السوق، وبقدرتها على تحقيق "النجاح" بمفهومه السطحي. هذا التحول يُفقده إحساسه الفردي الفريد، ويجعله يعيش في حالة من التماهي مع الآخرين، باحثًا عن القيمة والاعتراف في عيون المجتمع بدلًا من اكتشافها في أعماق ذاته.
1. إن المشكلة الرئيسية للإنسان المعاصر ليست أنه غير سعيد، بل أنه لا يعرف كيف يكون سعيدًا.
يشير فروم هنا إلى أن الأزمة ليست مجرد غياب السعادة، بل فقدان القدرة على تعريفها وتحديد مصادرها الحقيقية. المجتمع الاستهلاكي يفرض نماذج زائفة للسعادة مرتبطة بالاستهلاك والمكانة الاجتماعية، مما يُضلل الفرد عن السعادة الحقيقية التي تنبع من النمو الشخصي والعلاقات الإنسانية الحقيقية والتعبير عن الذات الأصيلة.
2. لقد تحول الإنسان إلى سلعة؛ وهو يعتبر حياته رأسمالًا يجب أن يستثمره بنجاح.
يوضح هنا كيف أن المنطق الاقتصادي قد تغلغل في صميم الوجود الإنساني. لم يعد الفرد يُنظر إليه ككائن فريد ذي قيمة جوهرية، بل ككيان يجب أن يُحسن استغلاله لتحقيق أقصى قدر من "الربح" الاجتماعي والمادي. هذا المنظور يُفرغ الحياة من معناها الإنساني العميق ويحولها إلى مجرد عملية حسابية.
3. إن الفرد يختبر نفسه ليس ككائن نشط، كمن يحب ويكره، يشعر ويفكر، بل كشيء يمكن أن يُباع ويُشترى، كسلعة.
هنا، يؤكد فروم على فقدان الفاعلية الذاتية. لم يعد الفرد يشعر بأنه مصدر أفعاله ومشاعره، بل كشيء خارجي يمكن تقييمه وتسويقه. هذا الشعور بالاغتراب عن الذات يؤدي إلى فراغ داخلي وقلق وجودي.
يرى فروم أن أزمة الهوية المعاصرة تنبع من هيمنة القيم المادية والاستهلاكية التي تُهمّش الجوانب الإنسانية الأصيلة. هذا يؤدي إلى استلاب الذات الحقيقية وإجبار الفرد على تبني هويات زائفة تتوافق مع متطلبات السوق. النتيجة هي شعور بالاغتراب، وفقدان المعنى، والبحث الدائم عن تأكيد خارجي للقيمة الذاتية.
تعليقات
إرسال تعليق