الجريمة و العقاب \ دوستويفسكي
كان منذ عرفته قاتم النفس متجهم الوجه شديد الكبرياء متعاليا ؛ و هو في هذه الآونة الأخيرة -و لعل ذلك يرجع إلى عهد أبعد- كثير الشكوك و الوساوس أيضا . هو سمح طيب . و هو لا يحب أن يظهر عواطفه ، و يؤثر أن يرتكب إساءة على أن يفتح قلبه . على أنه في بعض الأحيان يبرأ من الوساوس ، فلا يظهر عليه عندئذ إلا برودة في العاطفة و فتور في الإحساس حتى ليصل من ذلك إلى درجة يفقد معها روح التواصل الإنساني ، فكان له طبعين متعارضين يتناوبان الغلبة واحدا بعد آخر . يتفق له أحيانا أن يكون صموتا إلى حد رهيب : فإما أن يزعم أنه ليس في وقته متسع ، و إما أن الناس جميعا يزعجونه ؛ و مع ذلك يظل مستلقيا على سريره لا يعمل شيئا . و ما هو بالساخر ، ليس لأنه فقد روح الفكاهة ، بل لأنه كمن لا يريد أن يتلبث على سفاسف سخيفة و ترهات باطله . إنه لا يصغي أبدا إلى ما يقال حتى النهاية . إنه لا يهتم أبدا بالأشياء التي يهتم بها الآخرون في لحظة من اللحظات . و هو معتد بنفسه اعتدادا عظيما ، و يظهر أن من حقه أن يعتد بنفسه هذا الاعتداد . ماذا اقول أيضا ؟ .. إنه لا يحب أحدا ، و لعله لن يحب أحدا في يوم من الأيام .