شجرة الحياة \ إميل سيوران
ليس من صالِح الإنسان أن يتذكَّر في كلِّ لحظةٍ أنّه إنسان. وإذَا كان الانكبابُ على الذات أمرًا سيّئًا فإنّ الانكبابَ على الجنس البشريّ بحماسةِ مهوُوسٍ أمرٌ أسوأ: إنّه يعني أن ننسب إلى متاعب الاستبطان الاعتباطيّة أساسًا موضوعيًّا ومبرّرًا فلسفيًّا. في وسعِ كُلٍّ منّا التعلُّل بالتفكير في أنّه يستسلم لنزوةٍ، مادامَ يجترُّ أناه. لكنْ ما إن تصبح الأنواتُ كافّةً محْوَرَ اجترار لا نهاية له، حتى نقف جميعًا بشكْلٍ غير مُباشرٍ على سلبيّات شرطنا وقد عُمِّمَت، وعلى حادثتنا الخاصّة وقد أُنْزِلَتْ منزلةَ المعيار والحالة العامّة. نبدأ بإدراك الطابع الشاذّ لوجودنا كواقعٍ خام. بعدئذ نشعر بشذوذ وضعنا النوعيّ: إنّ دهشتنا من أن نكون تسبق دهشتنا من أن نكون بشرًا. إلاّ أنّ من المفترض أن تُمثِّلَ غرابةُ وَضْعِنا المُعطَى الأساسيّ لحيراتنا: أن نكون بشرًا أقلُّ طبيعيّةً من أن نكون فحَسْب. نشعرُ بذلك غريزيًّا. من ثمَّ تلك اللذّةُ التي نحسُّ بها كُلَّما أَعْرَضْنَا عن أنفُسِنا لِنَتَماهَى بِنَوْمِ الأشياء الهانئ. لسنا نحنُ حقًّا إلاّ حين نقفُ وجهًا لوجهٍ مع ذواتنا فلا نتطابقُ مع شيء، ولا حتى مع فرادَتِنا. ...