المشاركات

اللّامأمول \ كريستيان بوبان

صورة
  إنّه قذرٌ، حتّـى عندما يكون نظيفًا. يغطيّه الذّهب والفضلات البشريّة والأطفال وقدور الطبخ. يبسط سلطته في كلّ مكان، كما لو كان ملكا بدينًا وسـِخًا، لم يبق لديه شيء يحكمهُ بعد أن غزا كلّ شيء، وسمّم الأخضر واليابس بقذارته الفطريّة. لا أحد يستطيع مقاومته. وبفضل جاذبيّته الأبديّة إلى القاع، وإلى حُلكة الوقت الثّقيل، يبسطُ سلطته. يُسكّن الآلام في السّـجون. ويعمل بشكل دائم في بعض أجنحة مستشفيات الأمراض العقليّة.  في هذه الأماكن، يجدُ مكانه المناسب: لا ننظر إليه، ولا نستمع إليه. نتركه مثرثرا في الرّكن، ونترك أمامه أولئك الّذين لم نعد نعرف ماذا نفعل بهم، فالأيّام في المستشفيات، كما هو حالها في السّجون، أطول من أن تكون مجرّد أيّام، ولذلك يجب قضاؤها بطريقة مّا، كأن نكلّفه بحراسة مختلّي العقول والسّـجناء والمسنّين المنسيّين في دور العُجّز. وبما أنّه أقلّ كرامة من هؤلاء النّاس الّذين ذبحهم خريف العُمر واختارت القوانين أو الطبيعة أن تجعل منهم ضحاياها، فهو مستغرق على الدوام في سخريته من هذه الكرامة الّتي يفتقر إليها. إنّهُ سعيد بعمله، عمله الّذي يتلخّص في تلويث الألم الموكول إليه وفي ردم كلّ شيء في

الإنسان المستلب \ إيريك فروم

صورة
  يكره الإنسان عمله لأنه يقود إلى الشعور بالسجن... إنني مشغول دائما، إما أنني أعمل وإما أنني ألهو. ليست هناك ضرورة لكي أكون واعيا، لأنني مشغول على الدوام بالاستهلاك. فأنا نَسَق من الرغبات ومن تحقيقها. لابد أن أعمل لكي أحقق رغباتي، التي يقودها الاقتصاد باستمرار...  يشعر هذا الإنسان المُغَّرب المعزول بالخوف، ليس فقط لأن التغرب والعزلة يخيفان، لكن لسبب آخر خاص. إن النظام الصناعي البيروقراطي...، يُشعِر بالخوف في المقام الأول بسبب التناقض بين كبر المقاولة وصغر الفرد. من هنا فإن الشعور بعدم الأمن العام يؤدي إلى الخوف، الذي يُغرَس في كل واحد منا تقريبا. فأغلبية الناس موظفون، وبالتالي فإنهم تابعون لرؤسائهم البيروقراطيين. لم يبيعوا قوة عملهم فقط، بل يبيعون في المزاد العلني شخصيتهم (ابتساماتهم، أذواقهم وحتى صداقاتهم). يخونون أصالتهم دون أن يكونوا على يقين ما إذا كان بإمكانهم الصعود في السلم الاجتماعي أم التعرض للفقر، للعار وللفضيحة. فعلى الرغم من الرفاهية فإن المجتمع الصناعي البيروقراطي هو مجتمع جبناء وأناس خائفين. إن الإنسان الذي أصبح شيئاً هو إنسان جبان، ليس له أي إيمان ولا أية قناعة ولم يعد ب

يجب على الفلسفة أن تعود الى الشارع \ ميشال أونفري

صورة
يجب على الفلسفة أن تعود الى الشارع وتخرج إلى الناس حيث تنتمي، وحيث كانت تنتمي في العصور القديمة. لاحظ كيف تزدحم أعمال افلاطون بالناس، السمّاكين، الاسكافيين، المومسات المارات الخ. الفلسفة لا تخص مشرعين يقرأون الكتب المعينة ويتفلسفون خلال وقت دوامهم. أن تكون فيلسوفا يعني أن تتفلسف طوال الوقت: هذا هو التقليد الأنتيكي الذي أود العودة إليه والذي للأسف أخذ في التلاشي بعد صعود المسيحية. يجب القول إنني لا أعتبر أن المسيح كان شخصية تاريخية على الاطلاق- المسيح هو شخصية تبلورت في خيال الإنجيليين الذين لم يعرف كتّابها يوما المسيح، وبهذا خنق آباء الكنيسة الفلسفة التي دارت حول لحم هذا الشخص ودمه فصارت تمرينا وبحثا مجنونا في تفاصيل عجيبة، حيث تأتى عليهم إثبات تلك العجائب مثل الثالوث، القيامة والولادات العذرية. هكذا نحصل على ما يزيد عن عشرة قرون من الفلسفة رُسمت انطلاقا من الرغبة في إضفاء الشرعية على شيء لا يمكن إقراره. فلسفة الجامعات التي نعرفها هي تطوير لتقليد علم المسيحية لذا عندما تتحدث عن فيلسوف فرنسي- النظرية الفرنسية كما يقول الأمريكيون، وأعني فلاسفة مثل دولوز، غاتاري، ديريدا وليوتار الخ – فذلك

Paris, Texas (1984) \ Wim Wenders

صورة
اعتدتُ على خوض محادثات طويلة معك بعد رحيلك...كنت أتكلم معك طوال الوقت مع أنني كنت بمفردي، هِمتُ لشهور وأنا أتحدث إليك، الآن لا أعرف ماذا أقول كان الأمر أكثر سهولة عندما كنتَ مجرد صورة متخيلة حتى لقد تخيلتُ أنك تبادلني الحديث...لقد خضنا محادثات طويلة كلانا كما لو أنك كنت معي، كنت أستطيع سماعك كنت أستطيع رؤيتك، تشمم رائحتك، كنت أستطيع سماع صوتك أحيانا كان صوتك يوقظني...كان يوقظني في منتصف الليل كما لو أنك كنت معي في الغرفة...ثم خَفَتَ تدريجيا لم أتمكن من تخيّلك بعدها...حاولت التحدث معك بصوت عال كما كنت أفعل لكن لا شئ كان هناك لم أتمكن من سماعك...ثم أصابني اليأس توقف كل شئ...أنت اختفيتَ ببساطة، أعمل الآن هنا وأسمع صوتك طوال الوقت...كل رجل يملك صوتك. 

فن العيش الحكيم \ آرثر شوبنهاور

صورة
   الإنسان العامي تحده الأشياء الخارجية خلال بحثه المحموم عن المتع والشهوات من قبيل الثراء والمكانة والأسرة والأصدقاء والمجتمع وما شابه، فكل هذه الأشياء تحجب عنه النظرة البعيدة، وعليها يُقيم صرح سعادته الذي سرعان ما ينهار بالكامل عندما تحيق به خسارة أو تصيبه إحباطات وتلتف حوله خيبات الأمل. يجوز القول عن هذا الشخص وأمثاله بأن نقطة جاذبيتهم تقع خارجهم، لذلك لا عجب إن كانت أمانيهم ونزواتهم لا تستقر على حال ولا يقر لها قرار. فإذا ابتسم الحظ لأحدهم، بادر إلى إقتناء إقامات فاخرة أو خيول جميلة أو إلى إقامة الحفلات والولائم والقيام برحلات السفر، وفي كل هذه الحالات، يكون حريصاً أشد الحرص على التباهي بمظاهر البذخ باحثاً فيها عن إشباعات خارجية، مثله كمثل الكليل المُنهك الذي يبحث عبثاً عن الصحة والعنفوان المفقود في العقاقير والعلاجات الصيدلية، غافلاً عن أن مصدر هذا العنفوان إنما هو القوة الحية المنبعثة من دواخله.

كيف أذهبُ إلى الغابة \ ماري أوليفر

صورة
  في العادةِ، أذهبُ إلى الغابةِ بمفردي، دونَ الأصدقاءِ، لأنّهم جميعًا مبتسمون، ثرثارون، ولهذا لا يصلحون. لا أريدُ لأحدِهِم أن يراني أتحدثُ إلى العصافيرِ المُوَّاءة أو أعانقُ شجرةَ البلّوطِ الأسودِ العتيقةَ. لدي طريقتي في الصّلاةِ، ولديك طريقتُك بالتأكيد. علاوةً على ذلك، عندما أكونُ وحدي يُمكنُنِي أنْ أستحيلَ غيرَ مرئيّةٍ. يمكنُني الجلوسَ على كثيبٍ رمليٍّ بلا حراكٍ، كما العشبةِ النابتة، تجري الثعالبُ غيرَ مكترثةٍ حولَها. يمكنُني سماعَ غناءِ الزّهورِ الصامتة. إنْ كنتَ قد ذهبتَ معي إلى الغابةِ في أيّ وقتٍ مضى، فلابدّ وأنني جدًّا أحبّك. 

الجريمة و العقاب \ دوستويفسكي

صورة
  كان منذ عرفته قاتم النفس متجهم الوجه شديد الكبرياء متعاليا ؛ و هو في هذه الآونة الأخيرة -و لعل ذلك يرجع إلى عهد أبعد- كثير الشكوك و الوساوس أيضا . هو سمح طيب . و هو لا يحب أن يظهر عواطفه ، و يؤثر أن يرتكب إساءة على أن يفتح قلبه . على أنه في بعض الأحيان يبرأ من الوساوس ، فلا يظهر عليه عندئذ إلا برودة في العاطفة و فتور في الإحساس حتى ليصل من ذلك إلى درجة يفقد معها روح التواصل الإنساني ، فكان له طبعين متعارضين يتناوبان الغلبة واحدا بعد آخر . يتفق له أحيانا أن يكون صموتا إلى حد رهيب : فإما أن يزعم أنه ليس في وقته متسع ، و إما  أن الناس جميعا يزعجونه ؛ و مع ذلك يظل مستلقيا على سريره لا يعمل شيئا . و ما هو بالساخر ، ليس لأنه فقد روح الفكاهة ، بل لأنه كمن لا يريد أن يتلبث على سفاسف سخيفة و ترهات باطله . إنه لا يصغي أبدا إلى ما يقال حتى النهاية . إنه لا يهتم أبدا بالأشياء التي يهتم بها الآخرون في لحظة من اللحظات . و هو معتد بنفسه اعتدادا عظيما ، و يظهر أن من حقه أن يعتد بنفسه هذا الاعتداد . ماذا اقول أيضا ؟ ..  إنه لا يحب أحدا ، و لعله لن يحب أحدا في يوم من الأيام .

لا تُزعِج نفسك \ ماركوس اوريليوس

صورة
  لا تُزعِج نفسك بالتأمل في المشهد الكلي لحياتك، لاتدع فكرك يضم في آنِِ معا كل ما ازعجك فيما مضى وكل ما يمكن أن يُزعجك فيما بعد، بل اسأل نفسك في كل ظرف حاضر: ( أي شيءِِ في هذا يفوق احتمالي وينوء بي؟ ) ولسوف تخجل من مثل هذا الإقرار. ثم ذكر نفسك انه لا المستقبل ولا الماضي هو ما يُثقل عليك، بل الحاضر وحده، وكم يهون عبء الحاضر إذا أمكنك فقط ان تحدده وتضعه في حجمه، وان توبخ عقلك اذا كان يكل عن الصمود لشيءِِ مخفف كل هذا التخفيف.

المجد لِوجاهةٍ تُشرّف الأشياءَ عوض أن تشرفها الأشياءُ \ محمد هاشمي

صورة
  بقدر ما يخس و ينحط و ينبخس الشخص ، بقدر ما يبالغ في التخفي خلف الأشياء والعناوين والأضواء الزائفة والفرقعات التافهة. يتلبسها فتصبح هي هو يستلف فخامتها فيحسب نفسه فخما، ووسامتها فيعتقد نفسه وسيما، و قوتها فيتجبر ويتعملق رغم تقزمه، حين يتخفى خلف أشيائه المتعاظمة، يغطّي عن ضعفه وعن انكماشه وترهله وعنته وعجزه بربطات العنق الطويلة و بسيارات تتمدد بهيكلها المتين لتعوض تمددا لا يسعفه ووجاهة لا تستقيم له . قد أقبل من عاهرات الرصيف أن تميز بين الزبناء حسب ما يركبون من سيارات ، لكننا لا نقبل من الرجال أمرا كهذا، لا يهم الرَّكوب يا سادة بل معقد الأمر على الراكب من يكون،  المجد لِوجاهةٍ تُشرّف الأشياءَ عوض أن تشرفها الأشياءُ .

أنا في حرب على نفسي \ جاك دريدا

صورة
  أنا، لم أتعلم بعدُ كيف أحيا، أبدًا لم أتعلم ذلك.. فأن يتعلم الواحد كيف يحيا، يعني أن يتعلم كيف يموت، أن يأخذ في حسبانه الموت الحتمي، وبرضى به، (بلا خلاص ولا قيامة، ولا فداء) لا لنفسه ولا لغيره.. منذ أفلاطون، هذا هو الواجب الفلسفي القديم: أن تتفلسف يعني أن تتعلّم كيف تموت. أعرف هذه الحقيقة، وأتحاشى مواجهتها دائمًا.. مرة بعد مرة، أبتعد عن الإقتناع بذلك، حقيقة أن أتقبل الموت. فنحن كلنا أحياء، لكن أحياء لمهلة ما، لأجل ما، (ومن وجهة نظر جيوسياسية تجدها في كتابي “أطياف ماركس”، فنحن نعيش في عالم أكثر ظلمًا من أيّ وقت مضى، ظلم يُمارس تجاه المليارات من الأحياء، من البشر ومن غيرهم من الكائنات.. وهؤلاء النّاس، فضلاً عن أنه لا يُسمح لهم بالتّمتع بحقوق الإنسان الأولية، التي صار عمرها أكثر من قرنين وما انفكّت تتطور، لكنهم لا يتمتّعون حتّى بالحدّ الأدنى بحياة قمينة بأن تُعاش).. بيد أنّي، لا زلت إلى الآن عصيًا على تلقّي حكمة أن أعرف كيف أموت. إذ إنني حتّى اليوم لم أتعلم ولم أكتسب جديدًا في هذا الموضوع.. فهذه المهلة المعطاة لنا في الحياة تتقلص بنحو متسارع. ليس فقط لأنني – كما هو حال كثيرين غيري – قد

مذكرات فتاة رصينة \ سيمون دي بوفوار

صورة
   الحياة..يا لها من كائن غريب! في لحظة ما، شفافة ومفهومة وفي لحظة أخرى، مبهمة تماماً. إنها شيء أصنعه بنفسي، مع ذلك مفروض عليّ، إنها توفّر البدايات ثم تسلبها مني مرةً أخرى، تسحقني بالأحداث، تبعثرني، تحطمني، لكن مع ذلك تبقيني متماسكة . كيف أنها متعارضة، لكن مع ذلك متناسقة، هذا التناقض يولد العديد من الإتجاهات والجوانب .

الحضارة وسخطها \ سيجموند فرويد

صورة
  ﻫﻨﺎﻙ ﺳﺒﺐ ﺁﺧﺮ ﺃﻳﻀﺎ ﻟﻠﺨﻴﺒﺔ ﻭﻻ‌ﻧﻘﺸﺎﻉ ﺍﻷ‌ﻭﻫﺎﻡ. ﻓﺨﻼ‌ﻝ ﺍﻷ‌ﺟﻴﺎﻝ ﺍﻷ‌ﺧﻴﺮﺓ ﺗﻤﻜﻨﺖ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻝ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﻔﻴﺰﻳﺎﺋﻴﺔ ﻭﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻭﺗﻄﺒﻴﻘﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﺘﻘﻨﻴﺔ ﻣﻦ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺗﻘﺪﻡ ﺧﺎﺭﻕ ﻟﻠﻤﺄﻟﻮﻑ، ﻭﻗﺪ ﺑﺴﻄﺖ ﺑﻨﺘﻴﺠﺔ ﺫﻟﻚ ﺳﻴﻄﺮﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺼﻮﺭﻩ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻴﻮﻡ. ﻭﺳﻤﺎﺕ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻘﺪﻡ ﻣﻌﺮﻭﻓﺔ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ ﺇﻟﻰ ﺣﺪ ﻳﻐﻨﻲ ﺣﺘﻰ ﻋﻦ ﺗﻌﺪﺍﺩﻫﺎ. ﻭﺑﻨﻮ ﺍﻹ‌ﻧﺴﺎﻥ ﻓﺨﻮﺭﻭﻥ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﻔﺘﻮﺣﺎﺕ، ﻭﻫﻢ ﻓﻲ ﻓﺨﺮﻫﻢ ﻫﺬﺍ ﻣﺤﻘﻮﻥ. ﺑﻴﺪ ﺍﻧﻪ ﻳﺨﻴﻞ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﺍﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻴﻄﺮﺓ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﺍﻟﻌﻬﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﻭﺍﻟﺰﻣﺎﻥ، ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻻ‌ﺳﺘﺮﻗﺎﻕ ﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ، ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻟﺼﺒﻮﺍﺕ ﻭﺃﻣﺎﻧﻲﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﺮ ﺁﻻ‌ﻑ ﺍﻟﺴﻨﻴﻦ، ﻟﻢ ﺗﺰﺩ ﺍﻟﺒﺘﺔ ﻣﻦ ﻣﻘﺪﺍﺭ ﺍﻟﻤﺘﻌﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻨﺘﻈﺮﻭﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ. ﻭﻣﻦ ﺛﻢ، ﻻ‌ ﻳﻌﻤﺮ ﺃﻓﺌﺪﺗﻬﻢ ﺍﻹ‌ﺣﺴﺎﺱ ﺑﺄﻧﻬﻢ ﺻﺎﺭﻭﺍ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺫﻟﻚ ﺃﻛﺜﺮ ﺳﻌﺎﺩﺓ، ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻔﺮﻭﺽ ﺍﻥ ﻳﻜﺘﻔﻮﺍ ﺑﺎﻻ‌ﺳﺘﻨﺘﺎﺝ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﺴﻴﻄﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﺷﺮﻁ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ، ﻛﻤﺎ ﺍﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﺍﻟﻬﺪﻑ ﺍﻟﻴﺘﻴﻢ ﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻤﺪﻳﻦ. ﻻ‌ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻨﺘﺠﻮﺍ ﺍﻥ ﺗﻘﺪﻡ ﺍﻟﺘﻘﻨﻴﺔ ﻏﻴﺮ ﺫﻱ ﻗﻴﻤﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ "ﺍﻗﺘﺼﺎﺩ" ﺳﻌﺎﺩﺗﻨﺎ. ﻭﺑﺎﻟﻔﻌﻞ، ﺃﻟﻦ ﻧﻤﻴﻞ ﺇﺯﺍﺀ ﺍﻻ‌ﺳﺘﻨﺘﺎﺝ ﺍﻷ‌ﺧﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻻ‌ﻋﺘﺮﺍﺽ ﺑﻘﻮﻟﻨﺎ: ﺃﻟﻴﺲ ﻣﻜﺴﺒﺎ ﺇﻳﺠﺎﺑﻴﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﺬﺓ، ﺍﻻ‌ ﻳﺰﺩﺍﺩ ﺑﻼ‌ ﻟﺒﺲ ﺷﻌﻮﺭﻱ ﺑﺎﻟﺴﻌﺎﺩﺓ، ﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﺃﻣﻜﻨﻨﻲ ﺃﻥ ﺃﺳﻤﻊ ﻣﺘﻰ ﻣﺎ ﺷﺌﺖ

ثلاثية غرناطة \ رضوى عاشور

صورة
  والقلب في بيت القلب يعتصر كأنما تقبضه يد الموت ويموت. يحدقون فيك ولا يرف لهم جفن. يلقون بك في قبو وحدك لا تقدر حتى على البكاء، وعندما تقدر تذرف الدمع الغزير، ليس لأن البدن يوجع، ولكنك تبكي على تلك المزق الآدمية التي تعرف أنها أنت، تبكي على حالك وعلى هجر حبيب في الزرقاء العالية تركك وحدك تصطلي بنار لم يعد الله بها قومه الصالحين. وحدك في سجنك المظلم تحاصرك الوحشة ولا ضوء سوى ذؤابة شمعة ذابلة يرتعش معها على الجدار طيف المحقق الذي يلازمك وإن غاب، خيال يعظم خطه الصاعد مائلاً على الجدار، يحدد ظل وطواط هائل ينشر سواده الملتصق بحجر الجدار. وحدك في سجنك لا يشاركك فيها سوى جرذان لأنها حياة تذكرك بالحياة، وبعد شهور ينقلونك إلى حيث يتبدد شيء من وحشة روحك. يصير لك رفاق يسكنون معك في قبو أيامك ولياليك. تأتلف القلوب المحزونة، طاقة ضوء في عتمة الجدار.

متجر المنتحرين \ جَان تُولي

صورة
  «هل فشلت في حياتك؟ معنا، سيكون موتك ناجحا!»  من خلال هذا الإعلان التجاري الصادم، تشرع رواية «متجر المنتحرين» أبوابها دفعة واحدة أمام القلة الناجية التي تعتاش على وسائل دمارها الذاتي في مجتمع غرائبي صمم على صورة الفوضى. في ذلك المتجر الصغير الذي لا يدخله النور، يصبح بيع وسائل الانتحار خدمة باذخة تقدم للإنسانية الآفلة، بعد سقوطها تحت مطارق التوحش البشري. ولكن حذار...! فالروائي الفرنسي «جان تولي» لا يقدم رواية عن نهاية العالم، وإنما يزرع الفخاخ في طريق القارئ من خلال تصميم عبقري، طريف ومزعج في آن، ساحبا إياه إلى أسئلة الزمن الراهن قبل أن يعصف به جنون البشر . في هذا المتجر، ثمة شخصيات وأفكار، تدين الإنسان وتحذر من زمن آخر، حيث الخلاص يكمن في ما تقدمه عائلة «توفاش ميشيا» من أدوات انتحار، في استعادة ساخرة، لثنائية الموت والحياة. والحق أن الرواية برمتها تتلاعب بالقارئ حين تقدم له في الظاهر وصفة انتحار جاهزة. أما في العمق فإنها توجه له رسالة تحذير بسيطة: إن أنت أردت النجاة، فابحث عن الترياق بنفسك!

تأملات \ أجان شاه

صورة
  إنّ ولادتنا وموتنا أمر واحد، لا يمكنك الحصول على أحدهما دون الآخر. إنه من المضحك قليلا رؤية دموع الناس ومدى حزنهم عند  الموت، ومدى سعادتهم وبهجتهم عند الولادة. إنّه الوهم. إذا كنت تريد البكاء حقًّا، سيكون من الأجدر أن تفعل ذلك عند ولادة أحدهم. اِبْكِ على الأصل، فلو لم تكن  الولادة لن يكون الموت. هل يمكنك فهم هذا؟.

السمان والخريف \ نجيب محفوظ

صورة
ما رغبت فيه يوما هو ألا أكون جلادا ولا ضحية، ألا أكون سجينا في بيت ضيق رفقة امرأة حزينة تبحث عن التوفيق بين نظرة المجتمع وكراهيتها لي وللملل والسأم اليومي، ولا عجوزا لصيقا بمراهقة تنضج على حساب وقتي وأعصابي.. كنت أريد أن أكون « حرا » في اختيار سجني، لكن ما لم أستوعبه ساعتها هو أن أولئك « العظماء » الذين هربت من تقليدهم، كي لا أبدو سخيفا، لم يريدوا شيئا أعقد ولا أكثر مما أردت: « الحرية » فقط ولو في نطاق ضيق. حرية أن يبحثوا في الأشياء المجردة حول الكون والإنسان والتاريخ واللغة والطبيعة والموسيقى دون أن يضطروا للخوض في تفاهات الحياة اليومية الصغيرة بسبب مصيدة البيولوجيا، لكن النساء كان لهن رأي آخر، إذ يقتصر وجودهن على فرملة تطور النوع البشري، فالمرأة لا تتصور نفسها تساهم في شيء ما يتجاوز نزعة التكاثر وفي أحسن الأحوال صناعة الخداع، لأن الطبيعة صنعت من أغلبهن غسالات صحون وأكياسا لحمل الأطفال. ما جعلني أفشل في أي علاقة لم يكن هو الخداع ولا الملل، كانت تلك مجرد مصادفات محظوظة لإنهاء تلك المهازل، الدافع العميق كان هو اعتيادي على الوحدة والهدوء، على الليالي البيضاء مع كتاب أو سفر مفاجئ أو مغازل

الوجود و العزاء \ سعيد ناشيد

صورة
  تُحيل الرحمة الفلسفية في كلمات معدودة ، إلى حالة عقلية ووجدانية تجعل الإنسان يرفض تبرير كل أشكال القسوة والألم والشقاء ، حتى ولو كان ثمن رفض ذلك التبرير هو (تشاؤم) على منوال شوبنهاور ، أو (عبثية) على منوال ألبير كامو ، أو (عدمية) على منوال سيوران ، أو أي شكل آخر من أشكال التعبير عن الخيبة وفقدان المعنى.

هل الفنون الجميلة من ضرورات الحياة، أم هي كماليات تأتي بعد لقمة العيش؟ عباس العقاد

صورة
  سُئل العقاد مرة: هل الفنون الجميلة من ضرورات الحياة، أم هي كماليات تأتي بعد لقمة العيش؟ فأجاب:  بوسعنا العيش دون ملكة النظر سبعين عامًا دون أن نهلك، ولا نقدر أن نعيش سبعين يومًا دون الرغيف، ولم يقل أحد لهذا إن الرغيف أهم من البصر.  وبتقييم السوق: الرغيف أرخص من الكتاب، والتمثال أغلى من الثوب.  فقيمة الشيء لا تتعلق بقدر الحاجة إليه، بل بقدر ما نصبح عليه إذا حصَّلناه.  فتحصيلنا الرغيف يساوينا بسائر الأحياء، ولكن تحصيلنا الجمال لا يجعلنا أحياء وحسب، بل يجعلنا بشرًا ممتازين فى أمة ممتازة، تحس وتحسن التعبير عن إحساسها.  الضرورات توكلنا بالأدنى من مراتب الحياة، أما الذي يرفعنا إلى الأوج من طبقات الإنسان، فهو الفنون.

من روائع الكاتب الروسي أنطون تشيخوف

صورة
  فلاح عجوز حمل زوجته المريضة في المقعد الخلفي من العربة التي يجرها حصان هزيل، حملها إلى المدينة البعيدة لعلاجها… وفي الطريق الطويل، بدأ الرجل يتحدث،  يفضفض... كأنما يناجي نفسه، ولكنه في الوقت نفسه يواسي زوجته المريضة التي عاشت معه طوال أربعين عاما في شقاء وبؤس ومعاناة تكد وتكدح، تساعده في الحقل، وتتحمل وحدها أعباء البيت… الآن..  أحس أنه كان قاسيا معها طوال السنوات الماضية، وأن عليه، الآن، أن يعاملها بلطف ولين، وأن يُسمعها الكلمات الطيبة،  قال لها إنه ظلمها، وأن الحياة أيضا ظلمتها، لأنه لم يجد الوقت في حياته اليومية ليقول لها كلمة طيبة حلوة وعذبة، أو يقدم لها ابتسامة صافية رقيقة كالماء أو يعطيها لحظة حنان!!! وظل الرجل يتحدث بحزن وأسى، طوال الطريق والكلمات تحفر لها في النفس البشرية.. مجرى كما يحفر الماء المتساقط على الصخر.. خطوطا غائرة. ليعوضها ـ بالكلمات ـ عما فقدته خلال الأربعين عاما الماضية من الحب والحنان ودفء الحياة الزوجية وأخذ يقدم لها الوعود بأنه سوف يحقق لها كل ما تريده وتتمناه في بقية عمرها… عندما وصل المدينة، نزل من المقعد الأمامي ليحملها من المقعد الخلفي بين ذراعيه لأول مرة

معضلة القنفذ \ ‏Hedgehog's dilemma

صورة
  عندما يشعر حيوان القنفذ بالبرد يبدأ بالبحث عن إخوانه لكي يلتصق بهم حتى يشعر بالدفء . المشكله أن الشوك الذي على جسم القنفذ يجعل عمليه تقاربه مع أبناء جنسه صعبه ومؤلمة ، نظراً لأنهم كلما تقربوا من بعضهم فإن الشوك الذي على أجسامهم يؤذيهم ، فيقررون الابتعاد عن بعضهم ، ثم يشعرون بالبرد فيقتربون مرة أخرى وهكذا ..  في سنة 1851 تأمل الفيلسوف الألماني شوبنهاور في موقف حيوان القنفذ هذا واعتبرها واحده من معضلات الانسان الاجتماعية النفسية ، وسماها : ( مُعضله القنفذ ) Hedgehog's dilemma شوبنهاور تكلم أن الإنسان الوحيد يشعر باحتياج شديد لأن يقترب من الناس ويتفاعل معهم ، وأن الوحدة تبقى قاسية جداً ومؤلمة بالنسبه للإنسان الطبيعي ( مثل البرد بالنسبه للقنفذ ) ، فيقرر أن يفعل مثل القنفذ ويبحث عن أبناء جنسه ويلتصق بهم من أجل الدفء النفسي .  المشكله أن التصاقه وقربه هذا لن يكون مصدر سعادة وراحه له على طول الوقت ، وإنما العكس ، مصدر ألم وتعب ( لنفسه ولأقرانه ) ، وهنا تتولد مشاعر سلبية كثيرة مثل الضغط النفسي والإحراج والفراق وغيرها . ومثلما يكون القنفذ مجبراً على إيذاء أقرانه ، ذات القضيه مع الانسان (