فريدريك نيتشه ضدَّ العقل
- منذ العصور الغابرة كان العقل سلطاناً في نظر الفلاسفة ، لا مرد لحكمه ، ولا ريبية في قوانينه ، يحسبونه الحاكم الأوحد للوجود ، وهذا - برأي نيتشه - أدى بالفلسفة إلى الانحطاط. وبما أن المنطق هو علم العقل ، فإن نيتشه ينسف قوانينه ومبادئه ، ويراها وهم لا يمت للحقيقة بصلة. فالعقل اخترع هذه المبادئ ( الشيء ، الجوهر ، الغائية ، العلية ، الخ ) لتعينه على التفكير. وبما أنه محتاج لتلك المبادئ فهو إذن ناقص.
- وبعد اكتشاف نيتشه لهذا الخلل والنقص في العقل ، يقوم بتحليل ما يسمى قوانين العقل أو قوانين الفكر. وأولها : قانون "الهوية" أو "الذاتية" الذي يعتبر أن الشيء يبقى هو هو ، ثابت جامد ، لا تحركه الصيرورة. وهذا القانون باطل - برأي نيتشه - لأنه لايصح أن يظل الوجود هو هو ، إنما الوجود صيرورة دائمة ، وما افتراض العقل لقانون الذاتية سوى أنه - أي العقل - لايدرك إلا الصيغ الدالة على استمرار الشيء على الحال ذاته.
- أما القانون الآخر وهو قانون "عدم التناقض" الذي ينص على أن الشيء لايمكن أن يتصف بصفة ونقيضها ، فيعتبره نيتشه وهم أيضاً لأننا عاجزون عن القيام بتلك العملية بعقلنا وحده ، أما على مستوى الوجود فيمكن أن ندرك أن اللاوجود أو العدم حقيقة أيضاً.
وهكذا فإن نيتشه يرى أن للعقل حدود لا يمكنه تجاوزها يقول : ( لاحاجة للعقل في حياة الإنسان لأن عدم معقولية شيء من الأشياء ليست حجة ضد وجوده ، بل بالأحرى أنها شرط لوجود هذا الشيء ).
- وبما أن العقل لا يؤمن بالصيرورة ، فإن من يسير وراء العقل وحده لا يستطيع أن يدرك مقتضيات الحياة بأكملها ، لأن النزوع نحو الثبات يحد من قدرات الإنسان، فلا يدرك من الوجود تغيراته وتبدلاته ، ولا يدرك حقيقة الصيرورة كمحرك لعجلة الوجود. فتبقى قدرات من ينحو نحو العقل وحده محدودة وضئيلة .فواهمون إذن الفلاسفة الذين يتصورون الوجود كله على هيئة عقل مطلق.
- غسق الأوثان ، فريدريك نيتشه ، ترجمة علي مصباح ، منشورات الجمل ، بيروت.
- نيتشه ( خلاصة الفكر الأوروبي ) ، عبد الرحمن بدوي ، وكالة المطبوعات ، الكويت.
تعليقات
إرسال تعليق