على متن الريح / أسعد الجبوري
دونكيشوت:كيف يصبح المرءُ واقعياً يا سانشو؟
سانشو:عندما يموت.فالقبر هو آخر الوقائع كما تعلمت ذلك يا سيدي الدون.
دونكيشوت:ومتى يبدو المرء رومانسياً ؟
سانشو:وقتما تشيخ عضلات قلبهُ ،بحيث تسكن العواطف مثل الملابس على هي تلك الحبال التي كانت لا تحركها الريح في أيام العنفوان.
دونكيشوت:وكيف يصبح المرء اشتراكياً؟
سانشو:عندما تصفرُ الريح بجيوبه ،ويكون من رموز الصعاليك.
دونكيشوت:ومتى يرى المرءُ نفسه سريالياً يا سانشو؟
سانشو:السريالية هي أن يمضي حذاء الشخص في المسير وحيداً دون صاحبه ،بعد أن تسقط المواطنةُ في الوحل، ويسقطُ المواطنُ مغشياً على الأرض.
دونكيشوت:الآن أدرك لماذا أفضلُ الليلَ مؤرخاً على النهار.
سانشو:إنها لمفارقة يا سيدي الدون !!
دونكيشوت: كأن يكون الأعمى مؤرخاً أم ماذا ؟!!
سانشو:بالضبط يا سيدي الدون.ذلك هو السؤال !
دونكيشوت:لا تظنن بأن للوطن أو للمواطن ليلاً واحداً وينتهي الأمر عند حدود ذلك الزمن .
سانشو:وكيف تفسر لي ما ذهبت إليه في كلامك الغامض يا سيدي الدون؟
دونكيشوت:ليس من غموض هناك. فما أن أصبح المواطن من تابعية الليل وخزائن أسراره،حتى تراه وقد اختصر مهنة الحياة بتتبع حوادث الظلام وسبر أغوار النفوس النائمة فيما وراء الحجب.المرء يفعل ذلك، باعتباره كائناً من تلك الكائنات السوداء.ولذا تجدهُ في صميم الحوادث العظمى ،يكتب ويرسم ويؤول ويجتهد بحماية نفسه من البشر والغيلان والتماسيح والقراصنة والنيازك والأشباح.
سانشو:وهل أنا ليليٌ أم نهاريٌ يا سيدي الدون؟
دونكيشوت:أنت تسكن ما بين مد الليل وجزر النهار يا سانشو.
سانشو:وحصاني يا سيدي الدون؟أهو معي في الحال وفي الأحوال؟
دونكيشوت:من لا يملك في داخلهِ حصاناً،يصعبُ عليه أن يؤرخ لأحداث مملكة الظلام.
سانشو:أعرف إن دولاً لا تربي غير طيور الظلام في خلاياها ،ولا تكتب تاريخ العبيد وسيرة الوطن الذاتية إلا بالسياط.
تعليقات
إرسال تعليق