راسكولنيكوف/ دوستويفسكي "الجريمةوالعقاب"

 ( سأقدم نصا يختصر بعمق القضايا الفكرية ذات الطابع الفلسفي الأصيل التي يطرحها دوستويفسكي في رواياته ، و النموذج اليوم هو بطله 'راسكولنيكوف' الذي يشخص من خلاله تيارا فكريا ومنهجا حياتيا ، استطاع دوستويفسكي أن يصوغه بفنه الرائع ). 

 إن ما كان يؤلمه إيلاما شديدا حتى جعله مريضا ، إنما الجراح التي أصيبت بها كبرياؤه ! .. لقد كان يمكن أن يسعد أشد السعادة لو كان في وسعه أن يتهم نفسه و أن يدين نفسه ! لو استطاع ذلك إذن لكان يمكن أن يحتمل الخزي و ان يحتمل العار ! و لكنه مهما تشتد قسوته في الحكم على نفسه ، فإن ضميره المتصلب كان لا يجد في ماضيه أية خطيئة فظيعة ، اللهم إلا أن تكون هذه الخطيئة هي أن ضربته قد أخفقت . صحيح أن هذا يمكن ان يقع لجميع الناس ، و لكنه كان يشعر بالخزي من أنه ضاع بمثل هذه العماوة ، بمثل هذه الحماقة ، بمثل هذا الانهيار ، و من أنه خاصة مضطر..أن ينصاع لحكم هذا القدر الأعمى ، و أن يخضع أمام سخافة هذا الحكم ، إذا هو أراد أن يسترد الهدوء و السكينة . إن قلقا لا موضوع له و لا غاية له في الحاضر ، و أن تضحية متصلة غير منقطعة في المستقبل ، ذلك كل ما ينتظره هنا على هذه الأرض !.. ما هو الهدف الذي مازال يمكنه أن يسعى إليه؟ ماذا يفيده و ماذا يجيده أن يستمر في الصراع و الكفاح ؟ أيحيا من أجل أن يوجد ؟.. إن الوجود في حد ذاته لم يكن كافيا له في يوم من الأيام . و إنما هو كان يطمع دائما في أكثر من ذلك ! لعل عنف رغباته كان وحده السبب في أنه ظن نفسه إنسانا يجوز له ما لا يجوز لغيره . و لو أن القدر قد اختار له الندامة ، الندامة المحرقة التي تحكم القلب و تطرد النوم . الندامة التي تجعل صاحبها يفكر في الانتحار شنقا أو غرقا ، إذا لكان سعيدا كل السعادة ! إن الآلام و الدموع هي الحياة أيضا ! "دوستويفسكي" "الجريمةوالعقاب٢ص٤١٢".