في مهب الريح \ ميخائيل نعيمه
أما كفى الإنسان حرباً أنّه في كلّ لحظة من وجوده يناضل ضدّ الجوع والحرّ والقرّ والمرض والجهل والموت ؟ أما كفاه أنّه في جهاد دائم مع نفسه حتى يُفرَض عليه الجهاد ضدّ إنسان مثله منهمك في حربه مع الجوع والحرّ والقرّ والمرض والجهل والموت ، وفي حربه مع نفسه ؟ أليس الأحرى بمحاربَين يقاتلان عدوّاً واحداً في ساحة واحدة أن يوّحدا قواهما في محاربة العدوّ المشترك بدلاً من ن يهدراها هدراً في حربهما الواحد ضد الآخر ، فيسلم العدوّ ويهلكا ؟
ذلك ما يقضي به المنطق السّليم وتفرضه المصلحة الحقّة . إلّا أنّ لكبار العالم منطقاً لا ينطبق على المنطق ، ومصلحة تنافي كلّ مصلحة . ففي منطقهم أنّه إذا التقى جائعان يفتّشان عن رغيف فالمصلحة تقضي على أحدهما أن يفتك بالآخر ليكفل لنفسه الرغيف الذي ما يزال في عالم الغيب بدلاً من أن يتعاون الاثنان في التفتيش حتى إذا ظفرا بالرغيف اقتسماه فكان حياة لكليهما . وإذا ترافق اثنان في طريق وانبرى لهما نمر فمن مصلحة الواحد أن يبطش برفيقه بدلاً من أن يتكاتف وإيّاه على البطش بالنمر . وإذا سار اثنان في ظلمة دامسة فمن الخير لأحدهما أن يفقأ عيني رفيقه لتنكشح الظلمة من حواليه ويبصر طريقه بدلاً من أن يتوكأ أحدهما على الآخر ريثما تنكشح الظلمة من حواليهما . وإذا تلاقى مركبان في عرض البحر وكان كلاهما في خطر الغرق فالدفاع عن النفس يقضي بأن يغرّق أحدهما الآخر بدلاً من أن يتضامنا في حربهما مع البحر .
كلّنا جياع وعطاش وعراة . وكلّنا في ظلمات دامسات . وكلّنا في كفاح مستمر ضدّ الطبيعة وعناصرها ، وضدّ الجراثيم والأوبئة ، وضدّ ما تحجّب فينا ومن حولنا من أسرار البقاء والفناء ، وضدّ الحزن والألم ، وأخيراً ضدّ الموت . فبأيّ منطق يقاتل بعضنا بعضاً بدلاً من أن نكون جيشاً واحداً ، وإرادة واحدة ، وسلاحاً واحداً في حربنا مع الجوع والعطش والعري ، ومع الظلمة وما يختبئ في تلافيفها من أمراض وأوبئة ، ومن حزن وألم فموت ؟
تعليقات
إرسال تعليق