مغالطة الوجود \ سيلڤيا بلاث
يا إلهي، لو كان ثمة وقت اقتربت فيه من الرغبة في الانتحار، فهو هذه اللحظة، والدم الأَرِقُ، الدائخ، يسري في عروقي، والهواء الرمادي طافح بالمطر، والرجال الصغار الملعونون عبر الشارع يطرقون على السقف بالمعاول والفؤوس والأزاميل، وذَفَرُ القطران؛ الذَفَرُ الجهنمي اللاذع.. إنني خائفة. لست قوية، إنني جوفاء.. أريد أن أقتل نفسي، أن أهرب من المسؤولية، أن أزحف عائدة بوضاعة إلى الرحم. لا أعرف من أنا، ولا إلى أين أذهب.. إنني أجلس هنا الآن، أكاد أبكي، خائفة، ناظرة إلى الإصبع الذي يكتب خيبتي الجوفاء على الجدار، ويلعنني.
الواقع هو ما أصنعه. هذا ما قلت: إنني قد آمنت به. ثم أحدق في الجحيم التي أتمرّغ فيها، الأعصاب مشلولة، والأفعال باطلة – الخوف، والحسد، والكراهية: كل المشاعر المزعجة للاطمأنينة التي تنخر نفسيّتي المرهفة. الوقت، والتجربة: الموجة العملاقة، الموجة المَدِيّةُ الكاسحة تغمرني، فأغرق، أغرق. أنَّى لي أن أجد الديمومة، تلك الصلة المستمرة مع الماضي والمستقبل، ذلك التواصل مع الكائنات البشرية الأخرى التي أحنّ إليها؟ هل لي أن أقبل، بكل أمانة، إجابةً زائفة محتومة؟ أنَّى لي أن أسوِّغ، وكيف لي أن أبرِّر ما تبقى من حياتي؟
وها هي مغالطة الوجود: فكرة أن يكون المرء سعيدًا إلى الأبد وأن يهرم في مقام معلوم أو سلسلة من الإنجازات. لماذا انتحرت فيرجينيا وولف؟ أو سارة تيزديل أو النساء الباهرات الأخريات؟ هل كُنّ عُصابيّات؟ هل كانت كتاباتهن (آه، أيها الكلام المرعب) تعليةً لرغائبهن الفطرية العميقة؟ لو أنني أعرف، فحسب. لو أنني أعرف، فحسب، كيف أجعل أهدافي، ومتطلباتي في الحياة، ذات مقاصد سامية! إنني في مقام فتاة عمياء تلعب بمسطرة لوغاريتمات القيم. إنني الآن في حضيض قواي الحاسبة.
أنتِ معلقة على صليب القيود التي تفرضينها على نفسك. لا يمكن تغيير اختياراتك العمياء؛ إنها الآن نهائية ولا رجعة عنها. لقد كانت لديك فرص، فلم تغتنميها، وها أنتِ تتمرّغين في خطيئتك الأصلية؛ القيود التي تفرضينها على نفسك. حتى إنك لا تستطيعين العزم على التمشّي في الريف: ولست متأكدة من أن ذلك مهرب أو علاج منعش لحبس نفسك في غرفتك طيلة النهار. لقد ضيّعت كل مسرّات الحياة. أمامك صف كبير من الأزقة المسدودة. وها أنتِ تديرين ظهرك لحياة الإبداع، ولا تتشبثين بها، يائسة، على نحو ما، وعن سابق إصرار ما. إنك تصبحين ماكينة محايدة. لا تستطيعين الحُبّ، ولا حتى لو عرفت كيف تشرعين في الحبّ. كل فكرة شيطان، جحيم- لو استطعت القيام بأشياء كثيرة مرة أخرى، آه، لأنجزتها على نحو مختلف! تريدين العودة إلى موطنك، إلى الرّحم. إنكِ لتنظرين إلى العالم وهو يصفق بابًا إثر بابٍ في وجهك، بقوّة، وصفاقة. لقد نسيتِ السرَّ الذي عرفتِه، ذات مرّة، آه، ذات مرّة؛ أن تفرحي، وتضحكي، وتفتحي الأبواب.
المصدر: «يوميات سيلڤيا بلاث»، دار: أنكر بوكس، في الولايات المتحدة، عام 1998م.
تعليقات
إرسال تعليق