طقوسُ وداعِ سيمون دو بوفوار لجان بول سارتر
كانت سيمون دي بوفوار تتعرَّض طوال حياتها لضغط يسبِّبه لها قلق ويأس خانقان ، خوف من الوحدة ، فقدان الحبّ ، لكنها اعترفت صراحةً أنّها كانت مسكونة بما وجدته أسوأ كابوسٍ ( موتُ سارتر ).
الكتاب الوحيد الذي ستكتبه بعد موت سارتر ، هو كتاب " وداعُ سارتر " ، وهو الكتاب الوحيد الذي لن يقرأه.
- كانت السنوات الخمس الأخيرة من حياة سارتر شاقّة وعسيرة بالنسبة لبوفوار ، لم تكن تتحمل أن يكون سارتر أعمى. نُقِل سارتر إلى مشفى القلبيّة ، وقال الأطباء أنّه مُصاب بالاستسقاء الرئوي. كان سارتر مرهقاً لا يستطيع الكلام إلّا بصعوبة ، وكان جسده متقرِّحاً ، وكليتاه لا تعملان ، لكن عقله كان سليماً ، وفي أصيل الأيام سأل بوفوار : كيف سنتدبر نفقات الجنازة ؟
- نُقِل سارتر إلى قسم العناية المشدَّدة ، وهناك كانت بوفوار تحوم حول سريره ، أمسك معصمها ، قال وعيناه مغلقتان : " أحبكِ كثيراً عزيزتي سيمون ". لم تكن هذه إيماءاته التي يقوم بها ، لقد فهِمتُ ، قالت بوفوار.
- في الساعات الأولى من صباح اليوم التالي ، رغِبت بوفوار أن يدعوها سارتر وحدها ، فغادر جميع من كان حوله. سحبت الشرشف وهمّت بالاستلقاء بجانبه ، كانت مُخدَّرة من أثر الشربِ ، فنامت مدّة قصيرة. وفي الخامسة صباحاً جاء المشرفون في المشفى وأخذوا الجثة ، استيقظت بوفوار و أدركت أن سارتر قد مات.
- كانت سماء باريس يوم السبت ١٥ نيسان ١٩٨٠م ؛ رماديّة ، وبدت كأنها ستمطر. ذهبت بوفوار لرؤية سارتر للمرة الأخيرة في نعشه. صاحت بوفوار بين المشيعين : " أؤكد لكم أنّه لم يعانِ كثيراً " ، قبَّلته قبلة الوداع ، وسارت مع الحشد الغفير ، والذي قُدِّر بحوالي خمسين ألف شخصاً ، إلى مثواه الأخير في مقبرة مونتبارس.
- تصدّر موت سارتر الصفحات الأولى من صحف العالم. جاء في صحيفة "الفيغارو" : أصبح العالم اليوم مكاناً أفقر مما كان. وجاء في صحيفة "لوماتان دو باريس" : كان رمزاً للمقاومة من أجل كرامة الإنسان والحرية والعدالة. أما بوفوار فكانت قد كتبت في مذكَّراتها :
" كنتُ أُخادَع حين اعتدت على أن أقول بأننا كنّا شخصاً واحداً ، فالانسجام بين شخصين لا يُمنَح أبداً ، ينبغي أن يُكتَسَب دائماً على الرغم من العقبات ".
وجهاً لوجه ( الحياة والحب ) ، هازل رولي ، ترجمة : محمد حنانا ، دار المدى ، العراق ، ٢٠١٧.
تعليقات
إرسال تعليق