الغابة في الفأس \ أندريه بروتون
ماتَ شخصٌ تواً لكنني حيٌّ مع أني من دون روحٍ. لا أملكُ إلا جسماً شفّافاً منهُ يقذفُ اليمامُ الشفّافُ نفسَه على خِنجرٍ شفّافٍ تمسكهُ يدٌ شفّافةٌ. أرى جهداً في جمالهِ، جهداً حقيقياً لا يمكن قياسهُ بأيّ شيء، إلا قبلَ ظهورِ النجمِ الأخيرِ. الجسمُ الذي أسكنهُ كوخٌ مؤجَّرٌ يكرهُ الروحَ التي اعتدتُ عليها والتي تظلّ طافيةً في مكانٍ بعيدٍ. يأتي الزمانُ بهذهِ الازدواجيةِ المثليةِ فيوقِعُ عليّ اللومَ. ويروحُ الزمانُ حينَ ينبعُ في عينين كثيفتين صامتتين من بِركِ اللونِ. لم يعُد هناك أحمر أو أزرق. الأحمر أزرق يشحُب بدورهِ مثلَ عصفورِ أبي الحنّاءِ وهو مُهملٌ في ناحيةٍ. ماتَ شخص تواً ـ لستُ أنا أو أنتَ بالضبط، ولا هم، بل نحنُ جميعاً عداي الذي يكافحُ للبقاءِ بوسائلَ عدّةٍ: مثلاً، فإني لا أزالُ بارداً. يكفي ذلك. النارُ! النارُ! أو الحجارةُ لي لأتشقّقَ، أو الطيورُ لأتبعَها، أو المشدّاتُ لأربُطَها بإحكامٍ حولَ خصورِ النسوةِ الميتات، لأجعلَها تعودُ إلى الحياةِ وتحبني بشُعورها المجهَدةِ ونظراتِها المتراجعةِ! النارُ، حتى لا نموتَ شوقاً إلى خوخٍ مسقيٍّ بالبراندي، النارُ، حتى لا تصبحَ قبّعةُ القشّ الإيطاليةُ مجرّدَ لعبةٍ! مرحباً، يا مُروج! مرحباً، يا مطر! إني نسيمُ الحديقةِ الزائفُ. التاجُ الأسودُ على رأسي من بكاءِ الغِربانِ المهاجرةِ فلا يوجد حتى الآن غيرَ تلكَ المدفونةِ حيّةً، منها القليلُ، وإني أنا الآنَ أولُ ميتٍ يتنفّسُ. مع ذلك، لي جسدٌ لا يمكنُ التخلّي عنهُ، أُخضِعُ الزواحفَ لتُعجَبَ بي. يدان دمويتان، عينان دبقتان، فمٌ من زجاجٍ وأوراقِ شجرٍ ذابلةٍ (تتحركُ الأوراقُ تحتَ الزجاجِ، ليست حمراءَ كما قد تظنّ حين ترقدُ اللامبالاةُ جرداءَ بتقنياتها الشّرهةِ)، يدان لتجمعانك، زعتر قليلٌ بأحلامي، إكليلُ الجبلِ بأقصى شُحوبي. كما لم يعُد لي ظلٌّ. آه، يا ظلّي، ظلّي العزيز! سأكتبُ رسالةً طويلةً إلى ظلّي الضائعِ الآنَ. سأبدأها بـ: ظلّي العزيز. ظلّي، الأعزّ. أتفهم؟ لم تعد هناك ثمة شمسٌ. لم يعد غير مدارٍ من اثنين. لم يعد غير رجلٍ واحدٍ عِوضاً عن ألفٍ. لم تعد غير امرأةٍ واحدةٍ في ظلّ غيابِ فكرةٍ تميّز بسوادِها الصافي عمرَها الملعون. تلك المرأةُ تمسكُ باقةَ أزهارٍ أبديةٍ في شكلِ دمي.
تعليقات
إرسال تعليق