ﺟـﺰﻳـﺮﺓ ﺍﻟﻤـﻮﺗــﻰ \ ﺍﺭﻧـﻮﻟـﺪ ﺑﻮﻛـﻠﻴـﻦ
ﺟـﺰﻳـﺮﺓ ﺍﻟﻤـﻮﺗــﻰ
ﻟﻠﻔﻨﺎﻥ ﺍﻟﺴﻮﻳﺴﺮﻱ ﺍﺭﻧـﻮﻟـﺪ ﺑﻮﻛـﻠﻴـﻦ ، 1880
ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻠﻮﺣﺔ ﺍﻟﺸﻬﻴﺮﺓ ، ﻧﺮﻯ ﺭﺟﻼ ﻣﺘّﺸﺤﺎ ﺑﺎﻟﺒﻴﺎﺽ ﻭﻗﺎﺭﺑﺎ ﺷﺒﺤﻴﺎ ﻳﻌﺒﺮ ﻣﻴﺎﻫﺎ ﻣﻈﻠﻤﺔ ﺑﺎﺗّﺠﺎﻩ ﺟﺰﻳﺮﺓ ﺻﺨﺮﻳﺔ .
ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻘﺎﺭﺏ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﺍﻟﻜﻔﻦ ، ﻭﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﻗﺼﻴﺮﺓ ﻣﻨﻪ ﻧﺮﻯ ﺻﺨﺮﺗﻴﻦ ﻋﻤﻼﻗﺘﻴﻦ ﺗﻈﻬﺮ ﻭﺳﻄﻬﻤﺎ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻷﺷﺠﺎﺭ ﺑﺪﺕ ﺃﺷﺒﻪ ﻣﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﺄﺷﺒﺎﺡ ﻋﻤﻼﻗﺔ ﺗﺤﺮﺱ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ .
ﺭﺳﻢ ﺍﺭﻧﻮﻟﺪ ﺑﻮﻛﻠﻴﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻠﻮﺣﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻡ 1880 ﻭﻫﻮ ﻓﻲ ﺳﻦ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ ﻭﺍﻟﺴﺒﻌﻴﻦ ﺑﻨﺎﺀً ﻋﻠﻰ ﻃﻠﺐ ﻣﺎﺭﻳﺎ ﺑﻴﺮﻧﺎ ، ﻭﻫﻲ ﺳﻴّﺪﺓ ﺇﻳﻄﺎﻟﻴﺔ ﻛﺎﻥ ﺯﻭﺟﻬﺎ ﻗﺪ ﺗﻮﻓﻲ ﻟﻠﺘّﻮ . ﻭﻗﺪ ﻃﻠﺒﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻨﺎﻥ ﺭﺳﻢ ﻟﻮﺣﺔ ﺗﺼﻮّﺭ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻭﺗﺠﺴّﺪ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻟﻔﻘﺪ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻤﺮّ ﺑﻬﺎ .
ﻭﻗﺪ ﻇﻠﺖ ﺍﻟﻠﻮﺣﺔ ﺑﻼ ﺍﺳﻢ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺃﻃﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺃﺣﺪ ﻣﺘﻌﻬّﺪﻱ ﺍﻟﻔﻦّ ﺍﺳﻢ " ﺟﺰﻳﺮﺓ ﺍﻟﻤﻮﺗﻰ " ﺑﻌﺪ ﺛﻼﺙ ﺳﻨﻮﺍﺕ ﻣﻦ ﺇﺗﻤﺎﻣﻬﺎ . ﺃﻣﺎ ﺑﻮﻛﻠﻴﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﻳﺴﻤﻴﻬﺎ " ﺟﺰﻳﺮﺓ ﺍﻟﺼﻤﺖ ."
ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺃﻥ ﺍﻟﻔﻨﺎﻥ ﻟﻢ ﻳﻘﺪّﻡ ﺷﺮﺣﺎ ﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﻠﻮﺣﺔ ﻭﻻ ﺍﻟﺮﻣﺰ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻨﻄﻮﻱ ﻋﻠﻴﻪ . ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻌﺮﻭﻓﺎ ﻋﻨﻪ ﻧﻔﻮﺭﻩ ﻣﻦ ﺇﻃﻼﻕ ﺗﺴﻤﻴﺎﺕ ﻋﻠﻰ ﻟﻮﺣﺎﺗﻪ ﺃﻭ ﺇﻋﻄﺎﺀ ﺷﺮﻭﺣﺎﺕ ﻟﻤﻀﺎﻣﻴﻨﻬﺎ .
ﻋﺎﺵ ﺑﻮﻛﻠﻴﻦ ، ﺍﻟﻤﻮﻟﻮﺩ ﻓﻲ ﺑﺎﺯﻝ ﺑﺴﻮﻳﺴﺮﺍ ، ﻣﻌﻈﻢ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻓﻲ ﺇﻳﻄﺎﻟﻴﺎ . ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻔﺘﻮﻧﺎ ﺑﻤﻨﺎﻇﺮ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ، ﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎﻥ ﻣﺘﺄﺛﺮﺍ ﺃﻳﻀﺎ ﺑﺄﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﺍﻷﻟﻤﺎﻧﻲ ﻓﺮﻳﺪﺭﻳﺶ ﻧﻴﺘﺸﻪ . ﻭﺭﺑّﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺳﺒﺐ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭﻩ ﺍﻟﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﺇﻳﻄﺎﻟﻴﺎ ﺍﻧﺠﺬﺍﺑﻪ ﻟﻠﻄﺒﻴﻌﺔ ﻭﺍﻵﺛﺎﺭ .
ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻠﻮﺣﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺼﺪﺭ ﺍﻟﻬﺎﻡ ﻟﻌﺸﺮﺍﺕ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻭﺍﻟﻔﻨﺎﻧﻴﻦ ﻭﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ . ﻓﻘﺪ ﺃﻟﻒ ﺍﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻲ ﺍﻟﺮﻭﺳﻲ ﺍﻟﺸﻬﻴﺮ ﺳﻴﺮﻏﻲ ﺭﺣﻤﺎﻧﻴﻨﻮﻑ ﺳﻴﻤﻔﻮﻧﻴﺔ ﺑﻨﻔﺲ ﺍﻻﺳﻢ ﻳﻤﺘﺰﺝ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺤﻨﻴﻦ ﺑﺎﻟﺮﺅﻯ ﺍﻟﻤﻈﻠﻤﺔ . ﻛﻤﺎ ﺍﺳﺘﻌﺎﺭ ﺍﻟﻜﺎﺗﺐ ﺭﻭﺟﺮ ﺯﻳﻼﺯﻧﻲ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﻠﻮﺣﺔ ﻟﻴﻀﻌﻪ ﻋﻨﻮﺍﻧﺎ ﻻﺣﺪﻯ ﺭﻭﺍﻳﺎﺗﻪ . ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻡ 1945 ُ ﺍﻧﺘﺞ ﻓﻴﻠﻢ ﺳﻴﻨﻤﺎﺋﻲ ﺑﻨﻔﺲ ﺍﻻﺳﻢ .
ﻓﻲ ﺃﻟﻤﺎﻧﻴﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺯﺍﺭﻫﺎ ﻓﻲ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ ، ﺗﻤﺘّﻊ ﺍﻟﻔﻨﺎﻥ ﺑﺮﻋﺎﻳﺔ ﻣﻠﻚ ﺑﺎﻓﺎﺭﻳﺎ ، ﻛﻤﺎ ﺗﻢّ ﺗﻌﻴﻴﻨﻪ ﺃﺳﺘﺎﺫﺍ ﻟﻠﻔﻨﻮﻥ ﺑﺄﻛﺎﺩﻳﻤﻴﺔ ﻓﻴﻤﺎﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﻤﻞ ﺑﻬﺎ ﺳﻨﺘﻴﻦ .
ﻟﻜﻨﻪ ﻣﺎ ﻟﺒﺚ ﺃﻥ ﻋﺎﺩ ﻣﺠﺪّﺩﺍ ﺇﻟﻰ ﺇﻳﻄﺎﻟﻴﺎ ﻟﻴﺒﺪﺃ ﺭﺳﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻠﻮﺣﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﺒﺮ ﺍﻛﺜﺮ ﺃﻋﻤﺎﻟﻪ ﺭﻣﺰﻳﺔً ﻭﺭﺅﻳﻮﻳﺔ .
ﻭﻳﻘﺎﻝ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻔﻨﺎﻥ ﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﺳﺘﻤﺪّ ﺃﺟﻮﺍﺀ ﺍﻟﻠﻮﺣﺔ ﻣﻦ ﺯﻳﺎﺭﺗﻪ ﻟﺠﺰﻳﺮﺓ ﺍﻳﺸﻴﺎ ﻭﻣﻘﺎﺑﺮ ﺍﻟﺒﻨﺪﻗﻴﺔ .
ﻓﻲ ﻟﻮﺣﺎﺕ ﺑﻮﻛﻠﻴﻦ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﻓﺎﻧﺘﺎﺯﻳﺔ ﻭﺣﻮﺭﻳﺎﺕ ﺑﺤﺮ ﻭﻣﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﺃﺳﻄﻮﺭﻳﺔ ﻣﺠﻨّﺤﺔ . ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻔﻨﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺒﺪﻭ ﻣﻨﺠﺬﺑﺎ ﻛﺜﻴﺮﺍ ﺇﻟﻰ ﻇﻮﺍﻫﺮ ﻣﺎ ﻓﻮﻕ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ، ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻣﺜﻞ ﻛﺎﺳﺒﺎﺭ ﻓﺮﻳﺪﺭﻳﺶ ، ﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎﻥ ﻣﺘﻔﻮﻗﺎ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﺧﻴﺮ ﻓﻲ ﻣﺴﺤﺔ ﺍﻟﺘﺸﺎﺅﻡ ﻭﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻭﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻄﻐﻰ ﻋﻠﻰ ﻟﻮﺣﺎﺗﻪ .
ﻛﺎﻥ ﺑﻮﻛﻠﻴﻦ ﻳﺮﺩّﺩ ﺩﺍﺋﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻮﺣﺔ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻬﺎ ﻣﻌﻨﻰ ﻛﺎﻟﺸﻌﺮ ، ﻭﺃﻥ ﺗﺘﺮﻙ ﺍﻧﻄﺒﺎﻋﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻤﺸﺎﻫﺪ ، ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺗﻔﻌﻞ ﺍﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ ﻭﺍﻟﺸﻌﺮ .
ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻨﻮﺍﺕ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺑﺪﺃ ﺍﻟﻔﻨﺎﻥ ﻳﻀﻤّﻦ ﻟﻮﺣﺎﺗﻪ ﺍﺳﺘﻌﺎﺭﺍﺕ ﻭﺭﻣﻮﺯﺍ ﻣﺰﻋﺠﺔ ﻋﻦ ﻣﻮﺍﺿﻴﻊ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻭﺍﻟﻈﻼﻡ .
ﻭﻳﺮﻯ ﺍﻟﻨﻘﺎﺩ ﺃﻥ ﺭﻣﻮﺯ ﻭﺩﻻﻻﺕ ﻣﺸﺎﻫﺪ ﺑﻮﻛﻠﻴﻦ ﺍﻟﺸﺒﺤﻴﺔ ﺳﺒﻘﺖ ﻇﻬﻮﺭ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ ﺍﻟﺮﻣﺰﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻦ ، ﺑﻞ ﻭﺳﺒﻘﺖ ﻣﺎ ُ ﺳﻤّﻲ ﺑﺎﻟﺘﺼﻮﻳﺮ ﺍﻟﻔﺮﻭﻳﺪﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﻃﺒﻊ ﻣﻌﻈﻢ ﻓﻦّ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ .
ﺍﻟﺠﺪﻳﺮ ﺑﺎﻟﺬﻛﺮ ﺃﻥ ﻟﻮﺣﺔ " ﺟﺰﻳﺮﺓ ﺍﻟﻤﻮﺗﻰ " ﻫﻲ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻣﻦ ﺿﻤﻦ ﻣﻘﺘﻨﻴﺎﺕ ﻣﺘﺤﻒ ﺍﻟﻤﺘﺮﻭﺑﻮﻟﻴﺘﺎﻥ ﻓﻲ ﻧﻴﻮﻳﻮﺭﻙ .
تعليقات
إرسال تعليق