اللذة الخطرة في كتاب تأملات في الإنسان \ رجاء النقاش
كان يقول لكل من يقابله :
_أنا موسيقار ، أنا عبقري .. ولكني لا أستطيع أن أكتب لحناً واحداً وزوجتي على ظهر الحياة.. إنها تفسد نبوغي.. وتقتل أحلامي كفنان.
وعندما يذهب إلى البيت الحزين الكئيب.. ينظر إلى زوجته في نفور.. ثم يضربها.. وهي صامتة لا تتحرك.. لا تعترض لا تقول آه.
وفي صمت تجري من عيونها دموع .. ثم تقدم ما يحتاج إليه.. في طاعة الخادم الذليل.
وظل على هذه الحال سنوات طويلة.
وفي يوم عاد إلى البيت .. فوجد زوجته مكومة في ركن مظلم.. وصرخ في وجهها .. فلم ترد عليه.. ثم ركلها بقدمه.. ولكنها لم تتحرك .
وبدأ يتردد.. وعرفت يده الحنان لأول مرة بعد عشرين سنة من الزواج ..وهو يهزها وينادي عليها.
ولكنها لم ترد .. لقد ماتت.
وفزع العبقري.. وخرج من بيته .. وظل يجري في الظلام حتى وقع على وجهه في الطريق ، ومات.
هذه هي خلاصة القصة التي كتبها الأديب العالمي الكبير "دستويفسكي"
_ والقصة تقدم لنا نوعاً من الشخصيات يقابلنا كثيراً في الحياة.
فالموسيقار يعاني ما يمكن أن نسميه "عقدة الاضطهاد" وهو يقنع نفسه بأن زوجته تضطهده وتعطله عن الفن.. إنه يلقي عبء فشله على زوجته .. ويبدو في نظر نفسه بريئاً خالياً من المسؤولية، ويتوقف عن كل شيء.. عن تدريب نفسه ، عن سماع الموسيقى، عن محاولة الإنتاج ، فاللحن الوحيد الذي يستطيع أن يعزفه هو الشكوى .. والسخط على زوجته.
وكثيراً ما يتعرض الإنسان للفشل ، وليس هذا هو الخطر الأساسي على حياة الإنسان ..ولكن الخطر يتركز في طريقة مواجهة الفشل هي ((أن يتحول إلى عادة ثم اقتناع)). وفي آخر الأمر يصبح لذة يمارسها الإنسان باستمتاع وسعادة . ولذة الفشل تبدأ عندما يلقي الإنسان سبب فشله على الآخرين. فيشعر أنه بريء أو شهيد، ويبعد عن نفسه تماماً مسؤولية الوضع الذي وصل إليه.
إن الذي يضع مسؤولية فشله على الآخرين هو إنسان يشعر أنه خالٍ من العيوب، وأن العيب يكمن في الآخرين.
ويشعر هذا الإنسان أيضاً أنه على جانب الأهمية ولو لم يكن ((مهماً)) لما فكر أحد في إيذائه والوقوف في وجهه.
وكل هذه المشاعر لها سحر غريب على النفس ، يسيطر عليها كما يسيطر المخدر.. وهو سحر يضع الإنسان في عالم مليء بالأحلام والأساطير.. عالم تتردد فيه كلمة : أنا... بما فيها من جاذبية وعذوبة تستريح إليها الشخصيات الضعيفة.. والتي تعيش حياتها بدون اتجاه أو هدف.
تعليقات
إرسال تعليق