المأدبة \ رينيه ماغريت
في مقدمة هذه الوحة للفنان البلجيكي العظيم «رينيه ماغريت» نرى جدار حجري ومزهرية حجرية، خلف الجدار هناك مجموعة من الأشجار ثم حقل وخط الأفق مكون من الأشجار فوقها السماء بظلال من اللون الأحمر لذا يجب أن تكون الشمس بالقرب من خط الأفق وقت الغروب وهناك ضباب خفيف أمام الاشجار، ثم في وسط اللوحة تماما وفي وسط الأشجار توجد دائرة حمراء.
رسم ماجريت الجدار بدقة شديدة كل خط وزوايا في مكانها الصحيحة، حتى يبدو اللون دقيقًا. كما رسم الأشجار القريبة من الجدار بشكل واقعي وتفاصيل دقيقة، أما الأشجار الأبعد فهي أقل حدة، الحقل وخط الأشجار في الخلف رسموا للإيحاء بمساحة مع التزام ماجريت بقواعد المنظور في كامل العمل؛ الاستثناء الوحيد هو أن الدائرة الحمراء مزعجة للعين، وتحفز العقل للتجول بعيدا عن المشهد الرعوي النقي. فكيف اخترقت الشمس صفي الأشجار وظهرت بواقعية على هذا الجانب من اللوحة؟ ولماذا تحمل اللوحة هذا العنوان؟
طور ماغريت مفرداته الفنية في العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين بعيدًآ عن المدرسة السائدة في عصره وهي مدرسة «الفن الحديث»؛ فهو يعد رسامًا «واقعيًا» وهي نقطة هامة وإحدى مميزات ماغريت الأصلية الأكثر لفتًا للانتباه والتي تبرز أحد معالمه الرئيسية وتميزه عن ما يسمى بـ «الفن الحديث»؛ والذي كان يرفض الواقعية صراحةً ويؤكد أن الفنانين غير ملزمين بإعادة إنتاج الطبيعة أو الواقع بأي شكل، لصالح عقيدة تؤكد أن التعبير عن المشاعر والأحاسيس والعواطف والانعكاسات الداخلية وما إلى ذلك أهم من نقل الواقع.
تم رسم هذا العمل بطريقة مباشرة وواقعية؛ فيمكنك التعرف على جميع عناصر اللوحة ولكن كعادة ماغريت، كل شيء ليس المكان الذي قد تتوقع أن يكون فيه.
فإذا كنت تقف على هذا التراس في الواقع فسوف تكون الشمس الحمراء التي تلوح في الأفق مخبأة وراء كل الأشجار لكن ماغريت يستخدم أسلوب سريالي سمى النزوح أي نقل شيء من مكانه الصحيح بهدف الدعوة للتفكير ورؤية ما وراء اللوحة، كما يستخدم ماغريت احدى تقنياته المفضلة هنا وهي تصوير المرئي والغير مرئي سويًا؛ سواء رأيت الشمس ام لم ترها أنت تعرف أنها موجودة وأنها شديدة الأهمية وقد يكون ذلك سبب تصويرها في وسط العمل تمامًا وسبب التسمية فهي مأدبة الطبيعة للشمس.
كما أن تخريب ماغريت للخصائص الأساسية للطبيعة امتدادًا لسحره «مع التقارب الاختياري» أو فكرة أن هناك أوجه شبه بين عناصر لا علاقة لها ببعض تظهر عند تصويرها معًا، وبناء على هذه الفلسفة نكتشف الأثر المربك لإعادة ترتيب الكائنات ذات الصلة في مجموعات غير متوقعة قد تغير هويتهم. يقول ماغريت «ما نراه على عنصر ما هو إلا عنصر آخر مخفي عن طريق الشيء الذي يتوسط بيننا وبين العنصر المخفي، بطريقة تجعل الجسم المتداخل، مخفيا جزئياً من قبل العنصر الآخر الذي كان مخفياً، ذلك الذي يتوسط بين جسم ما وبيننا مخفي عن طريق الكائن الذي لم يعد مخفياً؟!»؛ بالطبع الارتباك الناتج عن هذه التراكيب مقصود بالكامل .
هذه اللوحة جزءًا من سلسلة أكبر جرب فيها ماغريت ألوان مختلفة من الضوء في أوقات مختلفة من اليوم. في إحدى اللوحات ينير القمر بشكل الهلال السماء وفي أخرى تكون السماء رمادية اللون. في هذه النسخة ، تجمع بين السماء بين الأحمر والبرتقالي المتوهج القوي للشمس المتناقضة مع المناظر الطبيعية محايدة الألوان لخلق ما سماه ماغريت «جرعة من الغرابة».
تعليقات
إرسال تعليق