الموت يأتي إلى شوبنهاور \ أرفين د.يالوم
واجه شوبنهاور الموت كما واجه كل شيء طوال حياته–بصفاء شديد، فلم يرمش له جفن عندما كان يحدق مباشرة في الموت، لم يستسلم قط إلي المسكنات التي يمنحها الإيمان الغيبي، وظل متمسكاً بالعقل حتى آخر لحظة في حياته.
فقد كان يقول إننا من خلال العقل نكتشف موتنا أولاً، نلاحظ موت الآخرين، وبالتناظر، فإننا نعرف أن الموت لابد أنه آتٍ الينا، وأنه من خلال العقل نتوصل إلي الخاتمة الجلية بأن الموت هو توقف الوعي وفناء النفس بدون رجعة
في صباح ال٢١ من شهر أيلول (سبتمبر) ١٨٦٠ م
أعدت مدبرة المنزل لشوبنهاور طعام إفطاره، ونظفت المطبخ، وفتحت النوافذ، وغادرت لأداء بعض المهام، وتركت شوبنهاور بعد أن أنهي حمامه البارد وجلس يقرأ على الأريكة في غرفة الجلوس التي كانت تحتوي على لوحة زيتية لغوته وصور لشكسبير وكلوديوس
وبعد قليل، دخل إلي الغرفة طبيبه الذي يزوره بانتظام ووجده متكئاً إلي ظهره في زاوية الأريكة"سكتة رئوية" انتشلته بدون ألم من هذا العالم، ولم يشوّه وجهه، ولم يظهر عليه أي دليل يشير إلي آلام الاحتضار
كانت جنازته في يوم ماطر وبعد الدفن غُطّي قبر شوبنهاور بلوحة ثقيلة من الصوان البلچيكي .
وطلب شوبنهاور في وصيته بألا يظهر على شاهدة قبره إلا إسمه، آرثر شوبنهاور، "لا شئ آخر، لا تاريخ، لا سنة، لا أي كلمة"
لقد أراد شوبنهاور الراقد تحت شاهدة القبر البسيطة هذه أن يتكلم عمله عنه
والسؤال هنا هل كان يخاف شوبنهاور الموت؟ في سنواته الأخيرة أبدي هدوءاً شديداً حول الموت، من أين أتت طمأنينته؟ إذا كان الموت مخيفاً إلي حد أن الأديان العديدة ظهرت لاحتوائه، فكيف تمكن شوبنهاور المنعزل والملحد من إطفاء جذوة خوفه منه؟
لقد استندت أساليبه في التحليل الفكري إلي مصادر القلق من الموت، هل نخاف الموت لأنه غريب وغير مألوف؟ إذا كان الأمر كذلك، فهو يصر على إننا مخطئون لأن الموت مألوف لدينا أكثر مما نظن بكثير، أفلا نتذوق طعم الموت كل يوم في نومنا أو عندما نصاب بحالات إغماء ونغيب عن الوعي فحسب، وإنما قد كنا مررنا جميعاً عبر خلود اللاوجود قبل أن نأتي إلي الوجود
هل نخاف الموت لأنه شر؟ هنا أيضاً يصر شوبنهاور على أننا مخطئون فيقول :" من العبث اعتبار عدم الوجود شراً، فكل شر، مثل أي شيء جديد، يقتضي ضمناً وجوداً ووعياً، ومن الواضح أن فقدان ما لا يمكن افتقاده ليس شراً"
ويطلب إلينا أن نضع في اعتبارنا أن الحياة معاناة، وبأنها شر في حد ذاتها، ولكونها كذلك فكيف يمكن أن يكون فقدان الشر شراً؟ ويقول أنه ينبغي أن نعتبر أن الموت شيئاً مباركاً، خلاص من الألم المستمر للوجود.
_ من رواية "علاج شوبنهاور" للكاتب أرفين د.يالوم
تعليقات
إرسال تعليق