مريض الكورونا برواية كافكا


 


"إذ استيقظ المواطن "س" ذات صباح، على إثر أحلام سادها الاضطراب، وجد أنه قد تحول، وهو في سريره، إلى مريضِ كورونا".

هذه البداية هي عبارة عن محاكاة لبداية المسخ/التحول لكافكا، ولعل السؤال ؟

✓ ما علاقة كافكا بمريض الكورونا ومجتمعنا؟! 

لنعرف الإجابة دعونا نقوم بقراءة سريعة لرواية التحول.

بطلنا الأساسي في رواية التحول لِ "ك"، هو غريغوري سامسا، شاب بسيط موظف، يعيش مع عائلته "والدته، ووالده، وشقيقته"، عائلة متوسطة الحال، وهو المتكفل بالصرف عليهم بشكل أساسي. في يوم من الأيام، يستيقظ هذا الشاب من نومه ليجد نفسه وقد تحول لحشرة عملاقة -والرواية تسرد في هذا الحدث بصفته حدث طبيعي جداً! 

 المهم، 

أن عائلته في البداية كانت منكرة لتحوله هذا، وأن هذا الكائن ليس بابنهم، وقاموا بإبقائه لوحده مسجوناً في غرفته، وبدأت بعدها تصيرلهم مشاكل مالية؛ لأن مَن كان يصرف عليهم أمسى الآن غير قادر على ذلك.

مع الوقت بدأوا يتقبلوا نوعاً ما فكرة تحوله، وكانوا يقدموا له  الطعام بحذر وخوف شديد وأول ما يطلعوا من الغرفة يغلقوا الباب وراءهم بسرعة..لدرجة أمسى عندهم أمنية يموت وينزاح  همه!

إلى أن في يوم، كانت العائلة جالسة في الصالة مع بعض الضيوف، وكانت أخته تعزف على آلة، ولعشقه للموسيقى "حتى وهو حشرة شكلاً فما تزال روحه روح إنسان!"، قرر أن يخرج من غرفته، وتحرك حتى وصل للصالة وأكمل الاستماع للموسيقى، وإذ بالجميع يراه على شاكلته هذه، ليتملكهم الخوف ويقوموا بمحاولة إبعاده عنهم، وكأنه وحش سينقض عليهم!

فعاد لغرفته ذليلا، ولم يصبح عليه الصباح إلا وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، ليموت قهراً وألماً نفسياً من عائلته في المقام الأول التي عزلته ولم تدعمه أو تحتويه وهو في حالته هذه!

....

أعتقد الآن كثير منكم أدرك الرابط بين رواية "ك" هذه، ومريض الكورونا!

كثير منا يتعامل مع مريض الكورونا بصفته مصدر للعدوى ومش إنسان في النهاية، ابتداءً بالعائلة والمقربين حتى المجتمع...ولعل الكثير منكم قد شهد أو سمع عن تعامل المجتمع مع المصاب بالفيروس، ليُمسي بنظرهم شخص وجب نفيه هو وعائلته. 

متناسين مدى أهمية ودور الحالة النفسية للمريض في شفائه وتعافيه الكامل، ويكفي شعوره الشخصي بالعزل الاجتماعي والعملي وتبعات المرض عليه.

صحيح، من حقنا نخافوا على أنفسنا وعائلاتنا من العدوى، لكن هذا لا يبرر لنا قتل المريض نفسياً فقط لخوفنا من العدوى، هذا الخوف الذي يستمر حتى بعد شفاء المصاب

وتذكروا في النهاية، أن واجبنا خلال هذه الفترة تقديم الاحتواء والدعم النفسي الذي يحتاجه كل مريض والذي سيساهم في عملية شفائه. والابتعاد قدر الإمكان عن نشر أي شيء قد يؤذي المريض من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، والتي نلاحظ فيها تنمراً ولوماً للمرضى بشكل محزن فعلاً. 

وأخيراً؛ دعونا نكون عوناً للمريض حتى يشفى ولو بالكلمة الطيبة، لأن لا يكون مصيره، كما كان مصير بطل كافكا:

"تعالوا لتروا ما وقع، لقد نَفق؛ إنه هناك، على الأرض، نافقٌ تماماً!".

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة دوستويفسكي إلى اخيه ميخائيل بعد أن نجى من الاعدام بأعجوبة

قبل بزوغ الشمس \ فريدريك نيتشه

الإرتباك الوجودي الذي ينجم عن حالة الملل

الجمر البري \ نيكيتا جيل

تجنب الألم \ فيليب فان دان بوسش

على الطريق \ فريدريك نيتشه

هل الوعي حرٌّ؟ آناكا هاريس

كتاب مت فارغا \ تود هنري

تسلية أنفسنا حتى الموت \ نيل بوستمان

عندما تحب روحًا عتيقة \ لويزا فليتشر