فلسفة التمرد تخرج من البرميل ! ديوجين الكلبي


 

كل ما نعرفه عن هذا الرجل انه كان يمسك في يده "فانوس " ويخرج به في ضوء النهار ، وعندما يسأله المارة  وهم يضحكون ويسخرون : عن أي شيء تبحث ؟

كان جوابه: إنني أبحث عن إنسان! .

هذا الرجل اسمه " ديوجين الكلبي " ولد سنة 413 قبل الميلاد ، في مدينة سينوب التركية ، وسمي الكلبي لان الكلب كان شعار الجماعة الفلسفية التي اسسها ، كان يؤمن أن الحكمة لا تتحقق إلا بالحرية ، وخلاصة مدرسة الكلبيين الفلسفية أن العلم النظري لا معنى لوجوده ، فالعلم العملي هو وحده الذي يجب ان يؤمن به الانسان ، وان هدف الفلسفة ان تسلح الانسان بالفضيلة التي تؤدي الى السعادة والتي هي غاية الحياة ، والفضيلة هي الخير الوحيد ، مثلما أن الرذيلة هي الشر الوحيد 

حاول ان يقلد استاذه سقراط ، فكان جريء الفكر ، مستقل الرأي ، ساخراً من المجتمع ، مزدرياً للثروات والمناصب ، مناديا بالحياة الطبيعبة ، حافي القدمين ، لا يضع على جسده سوى معطف قديم ، وقد أختار أن يسكن في برميل ، ويقال انه شاهد ذات يوم صبي يشرب الماء من راحة يده ، فكسر انائه وقال :" هذا الصبي يعلمني انني لازلت أحتفظ بما يفيض من حاجتي " ، وكان ديوجين يستمتع بلقب الكلب لأنه أراد حياة بسيطة  فطرية كالحيوانات ، ويبدو ان صدقه وبساطة حياته قد حازت على اعجاب اهالي اثينا الذين كانوا يكيلون له المديح برغم مظهره المزري  ، وفي اتخاذه من الكلب شعارا لفلسفته ، كان يريد ان يفهم الآخرين بان ما يتعلمه الانسان من الكلب اكثر مما يتعلمه من الفلاسفة ، فالكلب حسب راي ديوجين كائن يعيش في الحاضر ولا يهتم للمستقبل ، وهو يستطيع ان ياكل اي شيء يجده ،  كما انه لن يجادل كثيرا بشان المكان الذي سينام فيه ، وهو خلافا للبشر الذين يتملقون ويكذبون  ويجاملون ، لا يتردد في أن ينبح في وجه اي شخص يثير الشبهات  ، ولهذا كان ديوجين يشعر بالسعادة حين يطلق عليه لقب " الفيلسوف النباح " ، فهو عاش ينبح في وجه معاصريه وفي وجه كل القيم التي تثير الشكوك .

يؤمن ديوجين ان على الانسان ان يقول " لا " حين يجب أن يقولها ، اما اذا كنت تقول " نعم " في وقت كان عليك ان تقول " لا " ، فانك تحول نفسك الى شخص لا يمكنه إلا ان يقول " نعم "  ، حتى حين يكون هذا هو الوقت الذي يجب عليه ان يقول " لا " ، 

عاصر ديوجين ، الفيلسوف أفلاطون ، وكان يسخر من دروسه ، ومن تصوره للألهة والإنسان ، صاحب الجمهورية كان يُعرّف الإنسان بكونه حيوان بدون ريش، مما جعل ديوجين يحضر ديكاً بعدما نزع عنه الريش ، ورماه في وجه افلاطون ، ثم قال له ساخراً : هاهو إنسانك ! ورغم حالة العداء بين الفيلسوفين ، إلا ان افلاطون كان  يحترم غريمه ، ويطلق عليه لقب "  سقراط المجنون " .

وتتحدث بعض كتب تاريخ الفلسفة أن الاسكندر الاكبر وهو يتجه صوب الشرق في واحدة من غزواته ، مر بأثينا فأثار إنتباهه ديوجين القابع في جوف برميله ، إقترب منه ، ، فسأله عما يبحث، فقال ديوجين للإسكندر: " أنا أبحث عن عظام أبيك ، لكني لا أستطيع التمييز بينها وبين عظام العبيد" . وفي رواية أخري، يقال إن الإسكندر الكبير مر يوما بديوجين فوجده جالسا في برميله يستحم بأشعة الشمس، فوقف الإسكندر أمامه قائلاً: أنا الملك الإسكندر الكبير، فرد عليه ديوجين: وأنا ديوجين الكلبي.. فقال له الإسكندر: ألست خائفا مني؟ فرد عليه ديوجين: وهل أنت رجل صالح أم شرير؟ فقال له الإسكندر: بل أنا رجل صالح.. فرد عليه ديوجين: ومن يخاف من الصالح إذًا! ، ثم سأله الإسكندر: هل تعيش في هذا البرميل فقط لكي تلفت انتباه الناس وإعجابهم بك؟ قال ديوجين: وهل فعلا تريد أنت فتح بلاد فارس وتوحيد كل بلاد الإغريق.. أم تفعل ذلك فقط لتنال الإعجاب؟ ابتسم الإسكند هور وقال: هذا برميل مليء بالحكمة، فقال ديوجين: أتمني لو كان لدي بدل هذا البرميل المليء بالحكمة.. نقطة واحدة من الحظ الجيد.. للحكمة طعم مر.. أحيانا تؤدي بك إلي الهلاك.. بينما الحظ يفتح لك أبوابا ويحقق لك السعادة ما كنت تحلم بها! ، أعجب الإسكندر بكلام ديوجين، ثم أخبره أن يطلب منه ما يشاء ليلبيه له.. فأجابه ديوجين بهدوء: أريد منك شيئًا واحدًا.. إنك الآن تقف أمامي وتحجب عني أشعة الشمس.. لذا لا تحرمني من الشيء الوحيد الذي لا تستطيع منحي إياه.. لا تحجب شمسي بظلك! ..فاستغرق الاسكندر في الضحك وقال :" لو لم أكن الاسكندر لفضلت أن اكون ديوجين " ، فرد الفيلسوف بكلام ساخر :" ولم لم اكن ديوجين لفضلت ان اكون أي رجل آخر سوى الاسكندر " .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كلُّه نكتة كونيّة \ روبرت أدمز

رسالة دوستويفسكي إلى اخيه ميخائيل بعد أن نجى من الاعدام بأعجوبة

قبل بزوغ الشمس \ فريدريك نيتشه

الإرتباك الوجودي الذي ينجم عن حالة الملل

على الطريق \ فريدريك نيتشه

قرد في الأكاديمية \ فرانز كافكا

كتاب مت فارغا \ تود هنري

هل الوعي حرٌّ؟ آناكا هاريس

الجمر البري \ نيكيتا جيل

تجنب الألم \ فيليب فان دان بوسش