زديج ( القدر ) \ فولتير
تجري أحداث هذه القصة في بيئة شرقية خالصة، ويكاد فولتير يمزج فيها بين الحكمة المشرقية وأفكاره التنويرية. وتعالِج بشكل خاص مسألة القضاء والقدر التي جرى ويجري حولها جملة من النقاشات، لاسيَّما في ذات البيئة التي تُغلِّف إطار هذه القصة، وأقصد البيئة المشرقية. قالت بعض الفرق بأن الإنسان مُسيَّر، وبعضها قال بأنه مُخيَّر، وبعضها الآخر قال بأنه الاثنين معاً. يُلَّخص لنا فولتير هذه القضية ويميل إلى القول بأن الإنسان ليس لديه أمام قضاء الله وقدره إلا القبول والتسليم، وإرادة الإنسان وفقاً لذلك ينبغي أن تُوَجَّه نحو الخير فتأخذ به، وتجتنب الشر وتنبذه.
وملَّخص القصة أن شاباً يدعى "زديج" لم يكن حظه مع النساء جيداً، فانصرف للتفكُّر بالطبيعة، فكان له نصيباً من الحكمة والفراسة وسعة الكشف، الأمر الذي جلب له متاعباً جمَّة، وسلَّط عليه حقد الحاقدين، وكيد الخائنين، ما اضطَّره إلى أن يكون كثير الترحال اتقاءً لشر المتربصين به. وتشاء الأقدار أن يأتي جزاء عمله متعاكساً مع جنسه، بالرغم من أنه كان ذو نية طيبة، ومسعى نبيل. كانت همومه تتمحور حول التأليف بين البشر، ومساعدتهم، باعثاً برسالة تسامح عظيمة تظهر بين سطور القصة في إطار من الذكاء والفطنة.
ومع نهاية هذا الكتاب يسرد لنا فولتير قصة الناسك الذي رافق زديج ليطلعهُ على آيات القَدَر في صورة أشبه بالقصة المعروفة الواردة في القرآن ( قصة النبي موسى والعبد الصالح، والذي قرأ كتاب فولتير هذا سوف يُدرِك هذا التشابه الواضح )، ليخلص الناسك إلى أن الإنسان مهما عظُمت إرادته فإن حدودها تقف عند مشيئة القدر، كل شيء مكتوب، وليس على الإنسان سوى السعي في سبيل الخير و اجتناب الشر، وهو الشيء الوحيد الذي يضمن له السعادة، وهذا ماحصل مع بطل قصتنا في نهاية المطاف، إذ كان له شأناً كبيراً، فوُليَّ ملك بابل العظيمة.
القصة جميلة ومشوِّقة، فيها من الحكمة الشيء الكثير، ومن الفكر التنويري المختلط بالحكمة ما يُعين القارئ على استكشاف كنه الحياة الإنسانية والتي هو جزء منها.
الترجمة ممتازة، كيف لا وهي ترجمة عميد الأدب العربي الذي قال بأن قصة فولتير هذه تخاطِب ملكات الإنسان الثلاث : العقل والقلب والذوق، وهذا ما كتب لها الخلود.
تعليقات
إرسال تعليق