جين آيير \ شارلوت برونتي
إِنَّ الحياة تبدو لي أقصر من أن تنفق في إذكاء البغض أو تسجيل المظالم. إننا كلنا -ويجب أن نكون كذلك‐ مثقلون بالأخطاء في هذا العالم، ولكني واثقة من أننا سوف نخلعها عمًّا قريب لحظة نخلع أجسادنا القابلة للفساد، عندما ينفصل عنا الغش والإثم بسقوط هيكل اللحم المربك هذا، فلا يبقى غير شرارة الروح ‐أصل الحياة والفكر وجوهرهما اللطيف الذي لا يدرك باللمس‐ نقية طاهرة كيوم فارقت الخالق لتحل في المخلوق. هذه الشرارة لابُدّ عائدة من حيث جاءت، ولعلها ستعود لتنفخ من جديد في كائن أسمى من الإنسان‐ وربما لكي ترقى في معارج المجد، من النفس البشرية الهزيلة إلى النفس الملائكية المتألقة! وليس من ريب في أنها لن يجاز لها الانحدار بحال من الأحوال، بالانتقال من إنسان إلى شيطان. لا، أنا لا أستطيع أن أصدق ذلك: إني أؤمن بعقيدة أخرى، لم يلقني إِيّاها أحد البتة، عقيدة نادراً ما ألمع إليها، ولكني أجد فيها ابتهاجاً غامراً، فأنا حريصة على التعلّق بها، لأنها تبعث الأمل في نفوس الناس جميعا، وتجعل الأبدية راحة ‐منزلا رائعاً لا هولا ولا هاوية. وإلى هذا فإن هذه العقيدة تتيح لي أن أميّز في كثير من الوضوح، ما بين المجرم وجريمته، وتمكنني من أن أغفر، في كثير من الإخلاص، للأول فيما أمقت الأخرى. وبفضل هذه العقيدة، يتعذر على الانتقام أن يزعج فؤادي، ويستحيل على التحقير أن يثير اشمئزازي إثارة أعمق مما ينبغي، ويمتنع على الظلم أن يسحق روحي ويذلها أشد الإذلال: إني أحيا في طمأنينة، متطلعة إلى اللحظة التي يجيء فيها أجَلي.
تعليقات
إرسال تعليق