الإنسان العادي \ دوستويفسكي
هناك أناس يَصعب على المرء أن يقول فيهم شيئاً؛ يَصفهم ويُصَوِّرهم دفعةً واحدةً في أبرز ما يخصّهم وأوضح ما يُميّزهم. أولئك هم الذين اصطُلِحَ على تسميتهم باسم ‘‘العاديين’’، وهُم أكثريَّة المُجتمع في الواقع. إن الأدباء يَجهدون، في رواياتهم وأقاصيصهم، أن يختاروا نماذج اجتماعيَّة وأن يرسموا هذه النماذج الاجتماعيَّة في أقوى صورة جذابة وفي أجمل أداء فني. وهذه النماذج لا تُوجد في الحياة كاملةً ذلك الكمال إلا استثناءً، غير أن هذا لا يَنفي أن الأفراد الذين يُصَوَّرون هذا التصوير هُم أقرب إلى الواقع من الواقع نَفسه إن صحَّ التعبير. إن شَخصيَّة بودكوليوسين قد تَشتَمل على مبالغة من حيثُ هي نموذج، ولكنها ليست وَهماً صَنَعه الخيال. ما أكثر الأذكياء الذين ما إن عَرفوا شخصيَّة بودكوليوسين التي صَوَّرها جوجول في مسرحيَّته حتى وَجدوا بين أصدقائهم ومعارفهم عشرات بل مئات من الأفراد يُشبهون هذه الشخصيَّة كما تُشبهُ قطرة من الماء قطرةً من الماء! بل أن هؤلاء الأذكياء كانوا، حتى قبل قراءة جوجول، يعرفون أن أصدقائهم يعرفون بودكوليوسين. وإنما كان الشيء الذي يجهلونه هو الاسم الذي يجب أن يُسَمَّى به هذا النموذ...