المشاركات

لودفيغ فتغنشتاين يعيد إلى اليقين اعتباره الفلسفي

صورة
  لم ينشر الفيلسوف النمساوي الشهير لودفيغ فتغنشتاين (1889 – 1951) في حياته سوى كتاب "رسالة منطقة فلسفية"، بالإضافة إلى مقال "بعض ملاحظات على الصور المنطقية". ويقول في مقدمة هذا الكتاب إنه لن يفهمه "إلا أولئك الذين طرأت لهم الأفكار نفسها الواردة فيه، أو طرأت لهم على الأقل أفكار شبيهة بها، ولذا فهو ليس كتاباً مدرسياً، وإنه يحقق الغاية منه لو أنه أمتع قارئاً واحداً قرأه وفهمه". كان لديه تصور بأن أفكاره قد أسيء فهمها إلى حد كبير. وبعد وفاته توالى صدور كتبه المخطوطة من قبل تلاميذه، وأغلبها لم يترجم إلى العربية حتى الآن. كما أنها قليلة هي الكتب العربية التي تناولت شرح فلسفته، وأقدمها أنجزه عزمي إسلام ضمن سلسلة "نوابغ الفكر الغربي" (دار المعارف) بعنوان "لودفيغ فتغنشتاين"؛ وهو خلاصة أطروحته للدكتوراه التي نوقشت في كلية الآداب بجامعة عين شمس في عام 1966، وأشرف عليها زكي نجيب محمود. وترجم عزمي إسلام لفتغنشتاين كتابي "رسالة منطقية فلسفية"، و"بحوث فلسفية". وهناك أيضاً لجمال حمود كتاب يتناول فلسفة فتغنشتاين في جانبها اللغوي، عنوا...

في مهب الريح \ ميخائيل نعيمه

صورة
  أما كفى الإنسان حرباً أنّه في كلّ لحظة من وجوده يناضل ضدّ الجوع والحرّ والقرّ والمرض والجهل والموت ؟ أما كفاه أنّه في جهاد دائم مع نفسه حتى يُفرَض عليه الجهاد ضدّ إنسان مثله منهمك في حربه مع الجوع والحرّ والقرّ والمرض والجهل والموت ، وفي حربه مع نفسه ؟ أليس الأحرى بمحاربَين يقاتلان عدوّاً واحداً في ساحة واحدة أن يوّحدا قواهما في محاربة العدوّ المشترك بدلاً من ن يهدراها هدراً في حربهما الواحد ضد الآخر ، فيسلم العدوّ ويهلكا ؟ ذلك ما يقضي به المنطق السّليم وتفرضه المصلحة الحقّة . إلّا أنّ لكبار العالم منطقاً لا ينطبق على المنطق ، ومصلحة تنافي كلّ مصلحة . ففي منطقهم أنّه إذا التقى جائعان يفتّشان عن رغيف فالمصلحة تقضي على أحدهما أن يفتك بالآخر ليكفل لنفسه الرغيف الذي ما يزال في عالم الغيب بدلاً من أن يتعاون الاثنان في التفتيش حتى إذا ظفرا بالرغيف اقتسماه فكان حياة لكليهما . وإذا ترافق اثنان في طريق وانبرى لهما نمر فمن مصلحة الواحد أن يبطش برفيقه بدلاً من أن يتكاتف وإيّاه على البطش بالنمر . وإذا سار اثنان في ظلمة دامسة فمن الخير لأحدهما أن يفقأ عيني رفيقه لتنكشح الظلمة من حواليه ويبصر ...

أحدهم طار فوق عش الوقواق

صورة
  ماذا بكم بحق الجحيم! أتقبعون هنا برغبتكم؟! أتتذمرون من الأوضاع وكيف هي متسلطة عليكم، أتحنقون من سيطرتها بأقل التفاهات ومعاونة زبانيتها على قمعكم، ثم تخبروني أنكم هنا بكامل حريتكم! ماذا تفعل هنا يا بيلي؟! من المفترض أن تكون بالخارج تمرح هنا وهناك، تصادق الفتيات وتطارحهن الغرام. أتقبل بمصح عقلي بدلًا من تلك الحياة! ماذا بكم لعنكم الله! أتفضلون الغوص بهذا الجحيم عن مواجهة الحياة بالخارج! أتخشون المواجهة؟! لماذا؟ أتظنون بأنكم مجانين! كلا كلا.. كلا يا سادة، لا فرد من هؤلاء السائرين بالطرقات أقل منكم جنونًا.. بل أنتم أعقل وأكثر إتزانًا، بل جنونكم يا أوغاد في تفضيل هذا المستنقع عن العالم الخارجي الناضح بالحرية والحياة! سحقا لكم على ما تفعلون! هكذا خاطب مكمرفي (جاك نيكولسون) نزيل المصحة العقلية زملاءه من المرضى في خطاب تحفيزي شديد اللهجة عله يفلح في إقناعهم بالتمرد عن واقعهم المزري في مؤسسة صحية لا تقدم سوى القمع و الإستعباد لنزلاءها الذين تشبثوا بقضبانها و إنصاعوا لسجانيهم ذوي البدلات البيضاء، و ظل مستميتا في وجه الممرضة رتشد التي تنطوي شخصيتها القاسية على برود و جمود عاطفي تجاه المرضى ...

مُجتمع الاِستهلاك \ جَوْن بودريلّارد

صورة
  إنَّ الإغتراب في وَقتُ الفِراغ لأَنأَىٰ مِن أنْ يُسْبَرُ غَوْرُه: إذ هو لا يَنتمي مُباشرَةً إلىٰ مَرؤُوسِيّة وقت العَملِ، بل هو مُرتبطٌ بعدم إمكانيَّة إضَاعَة وقت المرءِ. إنَّ القَيمة الاِستغلاليَّة الحقَّةُ للوقتِ، تلكَ القَيمة الاِستغلاليَّة الَّتي يُحاوِّل وقت الفراغ يائسًا رَدّها ما هي إلَّا قيمةٌ ضائِعة. الإِجازات هي هٰذا السَّعيُ لوقتٍ يُمكنُ للمرءِ أن يِضيِّعَهُ بكلِّ ما تحمل الكلمة مِن معنىٰ ودلالة، دونَ أن يُدغمَ هٰذا الضَّياع في الوقتِ بدورهِ في الحُسبان، دونَ أن يكونَ هٰذا الوقتُ ”في غضون ذٰلك“ بطريقةٍ ما ”مَحْروزًا“. في نظامنا الإِنتاجي والقوَّىٰ الإِنتاجيَّة، لا يُمكِن للمرءِ أن يَكسبَ إلَّا وَقتهُ، فهٰذهِ الجَبرية تُثقِلُ على وقت الفراغ كما يُثقلُ العَملُ بكاهلنا. إذ ليسَ بمقدور المرءِ إلَّا أن يَستغلَّ [مُطالِبًا] وقتهُ، ولو عبرَ اِستَعَانةٍ مفرَّغةٍ مِن أيّ مضمونٍ بشكلٍ تُذهِل. حيثُ يظلُّ وقت الفِراغ في الإِجازات مِلكيَّة خاصَّة تخصُّ صاحِب الإِجازة، مِلكيَّة اِكستبها بِعرق حبينهِ على مَدار العَام؛ إنَّهُ لشيءٌ يَملُكُهُ، ويَمتلكه لأنَّهُ يمتلكَ أغراض أُخرىٰ – وهو...

سيوران متحدثاً عن بيكيت

صورة
  لفهم هذا الرجل المتقوقع على نفسه، يجب أن نركز على عبارة (تفكيك الذات)، الشعار الضمني لكل لحظاته، وكل ما يندرج تحتها من عزلة وتحفظ وعناد لهذا الكائن الانطوائي الذي يسعى بلا هوادة في مثابرة لا نهائية. في البوذية، يُقال عن الحذق الذي يسعى إلى التنوير أنه يجب أن يكون عنيداً مثل (فأر ينخر في تابوت)، فكل كاتب حقيقي يبذل جهداً مشابهاً، فهو المدمر الذي يُضيف إلى الوجود، ويُثري بتقويضه. (إن ما نملكه من وقتِِ على الأرض ليس مديداً بما يكفي لاستنزافه على أي شيء سوى ذواتنا)؛ ملاحظة الشاعر هذه تنطبق على من يرفض اللا جوهري والعرضي والآخر، وعليه فأن بيكيت أو فنه الأدبي المتفرد يشدد على أن يكون المرء ذاته. زد على ذلك، ليس هناك أنفة ظاهرية أو سمة أساسية تسم وعي المرء الفريد من نوعه، فلو لم تكن كلمة (الكياسة) قد وُجدت من قبل، لكانت اختُرعت لأجله. بالكاد يمكن اعتباره كائناً معقولاً لكنه مرعبٌ بكل تأكيد، لا يستخف بأحد ولا يدرك الوظيفة الصحية للضغينة وفضائلها المفيدة وميزتها التنفيذية. لم أسمعه يتحدث بسوءِِ ابداً عن أصدقاءِِ أو أعداء، وهو شكل من أشكال السمو الذي أشفق بسببه عليه، والذي عانى منه دون وعي...

نصوص من أجل لا شيء \ صمويل بيكيت

صورة
  لا أحد غيري، في هذه الأمسية، هنا، على الأرض، وصوت لا يصدر ضجَّة لأنه يمضي نحو العدم، رأس مشتت، ذراعان ممددتان نحو الأسفل وجثث تقاتل بحيوية، وجسد قد نسيته تقريباً، هذا المساء، أقول هذا المساء، وربما هو الصّباح، وكل هذه الأشياء، أي أشياء؟ تلك التي تدور حولي، لن أنكر وجودها بعد الآن، ذلك لم يعد منطقياً، أن كانت الطبيعة، لربما هي أشجار وطيور، فهما يتلائمان سوية، الماء والهواء كي يمضي كل شيء، أنا لست بحاجة لمعرفة التفاصيل، ربما أنا جالس تحت نخلة، أو هي غرفة، مزودة بالأثاث، كل المتطلبات لجعل الحياة مريحة، مظلمة، لوجود الجدار الذي يقابل النافذة. ما الذي أفعله، أتكلم، أترك أنسجتي تتحدث، لا يمكن أن يكون شخصًا غيري أنا. نوبات من الصمت أيضاً، رؤية الجهد الذي ابذله كي أكون منطقياً. هنالك حياتي، لما لا، هي حياة، أن شئت ذلك، أن توجب عليك ذلك، هذه الأمسية أنا لن أقول لا. ويجب أن يكون هناك واحدة، على ما يبدو، حين يكون هنالك حديث، لا حاجة لوجود قصة، القصة ليست إلزامية، فقط الحياة، تلك هي الغلطة التي ارتكبتها، أحدى الأخطاء، حين رغبت بقصة خاصة بي، في حين أن الحياة وحدها تكفي. أنا احرز تقدم، انه الو...

البحث عن السعادة لا يعني الاستغناء عن الحقيقة \ لوك فيري

صورة
  حوار مع مجلة بارونتيز \ ترجمة: يوسف اسحيردة المجلة: كيف يمكن للفلسفة أن تُساعد على العَيْش بشكل أفضل؟ لوك فيري : كل الفلسفات الكبرى هي عبارة عن مذاهب خلاصية، وإذا صَدَّقْنَا المعاجم، فالخلاص هو ” الإنقاذ من خطر كبير أو حزن كبير”. إنقاذنا من ماذا أولا وقبل كل شيء؟ من المخاوف التي تُطَوِّق، التي تُقَلّْص وتنتهي إلى إعاقة وجودنا، وبالتالي منعنا من إدراك الحياة الجيدة. الفكرة التي تُحرك الرغبة في الحكمة، أي في البحث عن الخلاص – هذه أفضل طريقة من أجل ترجمة كلمة philo-sophia – هي الاقتناع بأن المرء طالما هو مُحاصر من طرف مخاوفه، من المستحيل أن يصل إلى السكينة، من المستحيل أن يكون حرا في عقله، أو أن ينفتح على الآخرين ويُفكر بحرية ويكون كريما. من أجل الولوج إلى السكينة، ينبغي إذن التوصل إلى هزيمة المخاوف، والفلسفة، بخلاف الديانات التوحيدية الكبرى، تَعِدُنَا بإمكانية تحقيق ذلك بالاعتماد على أنفسنا وعلى العقل عوض الاعتماد على شخص آخر (الله) وعلى الإيمان (من خلال التخلي عن العقل لصالح الوحي). المجلة: عن أي ديانة تتحدثون؟ في ما يخص المسيحية، هي لا تقيم تعارضا بين الإيمان والعقل ولكن، على الع...

لوحة موت سقراط

صورة
  -لوحة موت سقراط - هي لوحة فنية مرسومة بالزيت عام 1787 بواسطة الرسام الفرنسي جاك لوي دافيد  ان سقراط في تعاليمه وإرشاداته لم ينكر الآلهة او يحط من قيمتها ولكن خصومه كانوا يعتبرون تعاليمه عن معرفة الإنسان لنفسه والسعي إلى تهذبها بالمعرفة قد أهان الآلهة وحط من قيمتها مما دفعهم إلى تكفيره وتجريمه بتلفيق التهم هذه والحكم عليه بالموت لأنهم بدأوا يشعرون بخطورة فكر سقراط وتعاليمه على مراكزهم ومصالحهم ، وعندما عرض عليه صديقه (كريتو) فكرة الهرب من السجن تلبية لرغبة أصدقائه وأتباعه رفض ذلك وأقنعه (بديالكتيكية) ان هربه سيكون دليل نكوله عن تعاليمه وفضلا عن ذلك فهو لا يريد ان يخالف الشريعة والقانون مهما كان موقف خصومه منها، وهكذا قبل سقراط الموت منتحراً نزولا على حكام القضاء وتنفيذا لحكم الشريعة فتجرع السم باطمئنان وبقي يلقي تعاليمه على الذين حضروا ماساته إلى اللحظة الأخيرة عندما توقف عن النطق واضطجع ضجعة الموت عن عمر سبعين عاما في عام 399 قبل الميلاد. توضح لوحة "موت سقراط" للفنان الفرنسي جاك لوي ديفيد، قصة سقراط واللحظات الأخيرة من حياته، حين حكمت عليه الحكومة بأن يختار بين الموت بالسم ...

الإنسان العادي \ دوستويفسكي

صورة
  هناك أناس يَصعب على المرء أن يقول فيهم شيئاً؛ يَصفهم ويُصَوِّرهم دفعةً واحدةً في أبرز ما يخصّهم وأوضح ما يُميّزهم. أولئك هم الذين اصطُلِحَ على تسميتهم باسم ‘‘العاديين’’، وهُم أكثريَّة المُجتمع في الواقع. إن الأدباء يَجهدون، في رواياتهم وأقاصيصهم، أن يختاروا نماذج اجتماعيَّة وأن يرسموا هذه النماذج الاجتماعيَّة في أقوى صورة جذابة وفي أجمل أداء فني. وهذه النماذج لا تُوجد في الحياة كاملةً ذلك الكمال إلا استثناءً، غير أن هذا لا يَنفي أن الأفراد الذين يُصَوَّرون هذا التصوير هُم أقرب إلى الواقع من الواقع نَفسه إن صحَّ التعبير. إن شَخصيَّة بودكوليوسين قد تَشتَمل على مبالغة من حيثُ هي نموذج، ولكنها ليست وَهماً صَنَعه الخيال. ما أكثر الأذكياء الذين ما إن عَرفوا شخصيَّة بودكوليوسين التي صَوَّرها جوجول في مسرحيَّته حتى وَجدوا بين أصدقائهم ومعارفهم عشرات بل مئات من الأفراد يُشبهون هذه الشخصيَّة كما تُشبهُ قطرة من الماء قطرةً من الماء! بل أن هؤلاء الأذكياء كانوا، حتى قبل قراءة جوجول، يعرفون أن أصدقائهم يعرفون بودكوليوسين. وإنما كان الشيء الذي يجهلونه هو الاسم الذي يجب أن يُسَمَّى به هذا النموذ...

مقالة في الفهم البشري \ جون لوك

صورة
  لو أن الإنسان فقط يكون لديه أمل في هذه الحياة؛ لو أنه فقط يستطيع أن يستمتع بحياته! فليس من الغريب أو غير المعقول أن يسعى الإنسان وراء سعادته من خلال تحاشي كل الأمور التي تسوءُه، والسعي وراء كل ما يُبهِجه … لأنه إذا كانت لا توجد فرصة للحصول على هذه اللذة بعد الموت، فقطعًا سيصح الاستنتاج التالي: «دعونا نأكل ونشرب، دعونا نستمتع بما نجد فيه لذتنا؛ لأننا غدًا سنكون في عِداد الأموات» … ربما تختلف اختيارات الأشخاص، لكنهم جميعًا يتفقون على اختيار الصواب، على افتراض أنهم يُشْبهون بالأحرى شرذمةً من الحشرات الهزيلة، التي بعضها نحلٌ يجد لذته في الأزهار ورحيقها، والبعض الآخَر خنافس تجد لذتها في أنواع أخرى من الطعام، والتي بعد أن استمتعت طوال فترة حياتها، ينبغي الآن أن تنتهي حياتها وتموت، ولن يكون لها وجودٌ مرةً أخرى للأبد.

رسالة سركون بولص إلى وديع سعادة

صورة
  هذه رسالة كتبها الشاعر العراقي الكبير،سركون بولص، إلى صديقه وديع سعادة، بعد أن هاجر الأول إلى الولايات المتحدة الأمريكية والثاني إلى أستراليا، في مطلع السبعينيات من القرن الماضي. أخي وديع لم أنتظر الليل بل تقدمت نحوه وأنا أعرف عدوي وبلا درع أو شهادة أو تردد. ولكنني حين دخلتُ كثافته العدوّة كانت يداي ترتجفان وكان عناقي حلمًا كهربائيًا يعبر على المحيط. من حين الى حين، وجهي المعلق في مرآة محاكمة. وأنا دائمًا قاضي هذا العالم. أريد أن أتكلّم مع أصدقائي، لا بل اليهم ولكنني أجدهم في صحراء أخرى. أحاول أن أركّز نظري لأرى الملامح ولكنها لا تستطيع أن تقتل قوانين البعد. القانون الوحيد الذي قتلته هو قانون الزمان، ولكن الفضاء ما زال عدوًا. إنني الآن في المركز والأيام تدور من حولي ككواكب نارية من الاحتمالات والعبر والمغامرة. وبعد ذلك هذه هي القاعدة: الأيام ليست سوى أيام. مجرد أن أستلم رسالتك يا وديع، مغامرة، حفلة، عاصفة غجرية. لو عرفت ماذا تعني رسالة ما بالنسبة لي في هذه القارة المطفأة، ومن صديق من وطني! ولكنك هناك أيضاً كالمنفيّ، كما يبدو لي. لا تكن. أقول لك بكل صوتي: لا تكن. أخرج. من هذه الطب...

مَصادِر تَدْمِير الذَات \ إميل سيوران

صورة
  وُلِدْنَا فِي سِجن، وَ الأصفَادُ تُحِيطُ بِسَواعِدنَا وَ أفْكارِنَا، وَ مَا كُنَا قَادِرينَ علَى تَحمُلِ يَومٍ وَاحدٍ لَوْلاَ أنَ إمكَانِيَة أنْ يَنْتهِي كلُ هذَا تَحْثنَا علَى أنْ نَبْدأَ كُلَ يَومٍ مِنْ جَدِيد.. القُضبَانُ الفُولاذِيَّةُ وَ الهوَاءُ الخَانِقُ لِهذَا العَالَم يُجَردَانِنا مِنْ كُلِ شيْء باسْتِثنَاءِ الحُريَة لِأنْ نَقتُلَ أنْفُسنَا ؛ وَ هذِهِ الحُريَة تُزَوِدنَا بِالقُوَة وَ الإبَاءِ اللاَزِم لِمُواجهَةِ الحُمولَة الهَائِلَة مِنَ الأعْبَاءِ التِي تَسْحقُنا. أهُنَاكَ هِبَةٌ أشَدُ تَحْيِيرًا مِنْ أنْ نَكُونَ قَادِرينَ علَى أنْ نَفْعلَ بِأنْفُسِنا مَا نَشَاء وَ نَرفُض ؟ تَعزِيَةُ أنْفُسِنا بِٱنْتِحارٍ مُحْتمَل تَجْعلُ مِنْ مَوطِءِ أقْدَامِنا الضَيِق -حيْثُ نَخْتنِق- مِساحَات لاَ مَحْدودَة. الفِكْرةُ الحَاضِرَة لِتَدمِيرِ أنْفُسِنا، وَفْرةُ الوسَائِلِ اللاَزِمةُ لِذَلِك، سُهولَةُ ٱسْتِخدَامُها وَ تَوافُرهَا، تَمْلأُنَا بالإرْتيَاحِ وَ الرُعْب فِي آنٍ وَاحِد ؛ إذْ لاَ شيْءَ يَجْمعُ بيْنَ البَساطَةِ وَ الهَوْل مِثْل ذَلِكَ الفِعْل الذِي نَحْكمُ بهِ علَى أنْفُسِنا حُكم...

الصدفة والضرورة \ محمد الفاهم

صورة
  كيف يمكنني أن أفكر في مصادفات الحياة، فيما هو غير قابل للتفكير، لا يمكننا أن نفكر في الصدفة بالضبط؛ لأنها صدفة، شيء غير متوقع. حياتي برمتها سلسلة لا نهائية من الصدف بدءًا من ذلك الحيوان المنوي الذي كُنتُه، والذي استطاع أن يركب القطار السريع إلى هناك حيث كانت الحياة تنتظرني، إلى الصدفة التي جعلتني أعبر كل تلك البرك الداكنة لطفولتي، المليئة بالفقر والملح ويرقانات الوحدة. وأخيرًا صدفة قطار آخر جمعني بزوجتي، ماذا لو لم أركب ذلك المساء؟ ماذا لو كنت قد تأخرت وفوَّت الموعد؟ هل كان سيحلق هذان العصفوران فوق رأسي؟ يقال إن الصدفة إذا تكررت أصبحت ضرورة، لكن الشيء الوحيد الذي يتكرر في حياتي هو السهاد والأرَق، حياتي نشيد من أناشيد عمق الليل، أعيش في انتظار صدفة أخرى، ورقة يانصيب قد أجدها بين الكتب، أو بين الأصدقاء، أو بين الحيوانات والدواجن التي تكبر في مزرعتي. أو ربما قطار آخر، أزرق هذه المرة، الصدفة التي لا بدَّ منها، الضرورة التي لا يريد أحد الاعتراف بها، النفق المظلم نحو الأبدية. بالحواس أحلم، وبالحلم أعيش، واقفًا هنالك، ألوح للقطارات وهي تمضي في كل الاتجاهات.

جرثومة الكذب على النفس

صورة
  مقالة فلسفية قصيرة تحت عنوان  جرثومة الكذب على النفس  "ما ينبغي للمرء أن يكذب على نفسه، إن جميع الناس يعيشون على هذا النحو، و قد لا يكون من الممكن أن يعيشوا على غير هذا النحو "   فيودور دوستويفسكي  الأخوة كرامازوف جزء 1 ص 313  و كأن دوستويفسكي يطرح منذ البداية قاعدة عامة ، تنطبق على جميع البشر بدون استثناء ، فهو هنا لا يستثني أحدا " جميع الناس " ، إنه يضع " الكتلة البشرية " داخل تصنيف واحد لصفة مشتركة بين " الكل " ، و هي " الكذب " ، بيد أن دوستويفسكي لا يشير إلى " الكذب " الذي ألفته البشرية منذ آلاف السنين و هو كذب " الآخر " على " الآخر " . بل كذب من نوع جديد ، كذب مريع و هو " الكذب على النفس " .  أفظع كذب هو الكذب على النفس  " إن جميع الناس يعيشون على هذا النحو " .  بمعنى " الكل " لا يقفون أمام مرآة أنفسهم . " الكل يكذب " على أنفسهم . ما معنى أن نكذب على أنفسنا ؟ بل لماذا نكذب على أنفسنا ؟ يقول دوستويفسكي " لقد تعلموا الكذب " بمعنى لقد تمرسوا على الكذب أي...

لوحة ‏النائم للفنانة آيرينا كورسيك

صورة
  لوحة ‏النائم  للفنانة آيرينا كورسيك اللوحة هنا لا تصور النوم بحد ذاته، إنما الهروب الى ما يبحث عنه الإنسان في النوم، الهروب الذي يجعلك تغض الطرف عن كل الوضع الكارثي القائم حولك، أقصى آمالك أن تحظى ببضعة لحظات من السلام الداخلي تنزوي بها على نفسك، حتى لو إلتهمتك العاصفة وقتها، فأنت أكيد لن تمانع! ‏”على هذا الكوكب يجب أن تستعمل كل ذكائك لتعيش، وكل غبائك لتتعايش“ ‏- ريتشارد ديدكايند 

المفاتيح \ مكسيم غوركي

صورة
  (هذه القصة تكشف عن شخصية هذا الكاتب العظيم، وتؤرخ فترة قاسية من حياته، فضلا على أنها تصور حياة طائفة من الناس أغفل كثير من أدباء الغرب تصويرها) كان ثلاثتنا: (زيومكا كارجوزا) و (أنا) و (ميشكا) عمالقة بلحى طويلة وعيون واسعة لها زرقة الماء، نبتسم دائماً بثغور فرحة، ويخيل لمن يرانا أننا نترنح من الخمر أبدا. وكنا نأوي إلى بناء قديم خارج المدينة، يكاد من فرط قدمه أن ينقض، ولا يعرف غير الله لم سمي بمصنع الزجاج، ولعل ذلك لعدم وجود لوح زجاجي سليم به. وكنا نتقبل أي شيء دون أن يكون لنا شيء من الخيار، وكنا نكنس ساحات البيوت وننظف الغبار، وننبش المقابر وأكوام القمامة، ونهدم البيوت القديمة، ونقطع الأسوار. وقد حاولنا مرة أن نبني زريبة للعمالقة، إلا أننا فشلنا في ذلك. وكان زيومكا يسعى دائماً للقيام بواجبه، ويتشكك في معرفتنا ببناء زريبة للعمالقة. ولهذا فقد أحظر بنفسه ظهر يوم وكنا في غفوة كل المسامير وقطعتين من الخشب ومنشارا، وكان ذلك كله لصاحب عمل كنا نعمل عنده، وقد طردنا من أجل تلك الفعلة. ولما كنا لا نملك شيئاً يمكن سلبه منا لم يطالبنا بتعويض عن الأضرار التي لحقته بسببنا؛ وكنا في كفاف من العيش؛...

المسخ \ فرانز كافكا

صورة
  '' ‏ما أن أفاق غريغور سامسا ذات صباح من أحلامه المزعجة حتى وجد نفسه وقد تحول الى حشرة ضخمة! ''  قد يكون الإقتباس السابق أشهر عبارة استفتاحية في الأدب والتي وردت في افتتاحية ‏المسخ لـ فرانزكافكا.  المسخ ، فانتازيه رمزية،ما يحدث لبطلها يفلت من قوانين المنطق.تبدأ القصة بتاجر مسافر أسمه"جريغور" الذي يستيقظ ليجد نفسه قد تحول إلى حشرة! الروايه التي تجري أحداثها في غرفتين ،تلقي أمام القارئ تساؤلات عن وجود الإنسان في هذه الحياة الذي وجد نفسة في عالم ليس من إختياره.‏ يقول الكاتب والفيسلوف الفرنسي #روجيه_جارودي عن المسخ" إن الشخصية الأدبية التي كتب عنها كافكا ما هي إلا تعبير عن النفس المضطربة والحزينة لديه، إن المسخ لم يكن مجرد حشرة قذرة ولكن انعكاس الحياة المادية القاسية واستعباد العالم للإنسان العامل في ظل نظام رأسمالي يتجرد من الإنسانية، ومن كل صفات بني البشر ". سبق وأن صُنفت رواية كافكا الصغيرة "المسخ" The Metamorphosis كرواية قاسية نفسياً ، الأمر الذي جعلني أفشل في إنهاء قراءتها عدة مرات. إلا أني أنجزت المهمة البارحة. وكانت القراءة بطبعتها الأ...

الوجوديّ المنسيّ \ كولن ويلسون

صورة
  - ماثيو كونيام ترجمة: لطفيّة الدليمي ما انفكّ كولن ويلسون يمثّل في المخيّلة الشعبيّة ذلك الكاتب الّذي تناول جملةً من الموضوعات المتباعدة - بل حتّى المتنافرة أحياناً - في كتاباته الكثيرة : الجريمة و الانحراف السلوكيّ ،الظواهر الخارقة للوعي البشريّ الاعتياديّ ، حفريّات المعرفة ، الوجوديّة الجديدة و سايكولوجيا الوجود البشريّ ،،، و لكن لا تزال طائفةٌ عريضة من القرّاء الأكبر عمراً تذكرُهُ في هيئة ذلك الشاب الطموح ذي الستّة و العشرين عاماً ، مؤلّف كتاب "اللامنتمي" الّذي نُشِرَ عام 1956 و الّذي حاز قبولاً واسعاً بين الأوساط الفلسفيّة و سواها و أطراه الكثيرون من كبار النقّاد و مراجعي الكتب إذ رأوا في الكتاب تحليلاً ممتازاّ لموضوعة الاغتراب الفلسفيّ و السايكولوجيّ و الذهنيّ السائدة في القرن العشرين مع استعراض شامل لأنماطٍ عديدة من الشخصيّات المهمّة الّتي عدّها ويلسون نماذج معياريّة في الاغتراب و اللا إنتماء الفلسفيّين . قذف " لا منتمي " ويلسون بمؤلّفه في أحضان الشهرة و الأضواء مبكّراً و بات ويلسون أيقونة قياسيّة للشابّ الصغير الغاضب و الناقم على مجتمعه . و لكن لسوء الحظّ ف...

هنريك نوردبراندت

صورة
  كان بوسعي أن اصرخ لولا السماء كان يمكن أن أمضي لولا الأرض كان يمكن أن أقول كل شيء لولا البحـر السماء ملبدة بالغيوم الأرض جرداء، جافة، وغبراء البحر لا شيء مقارنة بالمسافة، بيني وبينك

أيّ مكانٍ خارجَ العالم \ شارل بودلير

صورة
  هذه الحياةُ هيَ مستشفى حيثُ تتملَّكُ كلُّ مريضٍ الرَّغبةُ في تغييرِ السرير. هذا يريدُ أن يعاني أمام المدفأةِ، وذاك يعتقدُ أنه سيُشفى إلى جانبِ النَّافذة. يَبدو لي أنَّني سأكون دائمًا بحالٍ جيدة هناك حيثُ أنا غيرُ موجودٍ، وفكرةُ الانتقالِ هذه هي فكرةٌ أناقشها دون تَوقُّفٍ مع روحي. "أخبريني يا روحي، أيتها الرُّوح الفقيرةُ البارِدة، ما رأيكُ إن سَكنا لشبونة؟ لا بدَّ أنَّ الجو ساخنٌ هناك، وستَبتهجين به كما حيوانٍ زاحف. هذه المدينةُ على حافة الماء؛ يقولون إنَّها مبنيةٌ من رخامٍ وأن سُكانها بهم من كرهِ النّبات ما يجعلهم يقتلعون كلَّ الأشجارِ. هذا مشهدٌ طبيعيّ كما يشتهي ذوقكِ، مشهدٌ من ضوءٍ ومعادنَ، وسوائلَ لتعكسهما." روحي لا تَردُّ بشيء. "بما أنَّكِ تحبّين السَّكينةَ إلى هذا الحدِّ، مع مشهدِ الحركةِ، أترغبين السَّكنِ بهولاندا، تلك الأرضُ المبهجةُ؟ فقد تستمتعين بتلك الأرضِ الَّتي دائمًا ما أعجبتكِ صورتُها في المتاحفِ. ما رأيك في روتردام، أنت الَّتي تحبِّين غاباتِ الصّواري والسُّفنَ الرّاسيةَ أسفلَ المنازل؟" ظلَّتْ روحي صامتةً. "قد تجعَلكِ باتافيا تبتسمين أكثرَ، وسنج...