المشاركات

عازف الغيتار العجوز / بابلو بيكاسو

صورة
 في هذه اللوحة أول مايتبادر إلى ذهن المشاهد هو التساؤل عن اللون الأزرق الطاغي ؟! هذه اللوحة قام الفنان برسمها خلال المرحلة الزرقاء ، سميت بذلك لأن اللون الأزرق في تلك الفترة هو الطاغي على أغلب لوحات " بيكاسو " . محاولة تفسير هذا اللون وسيطرته على لوحات الفنان يصل بنا إلى أن الفنان أراد من ذلك اللون تصوير حالته النفسية السيئة التي كان يعاني منها ، فكانت نفسيته مزاج من الحزن والسوداوية والبرود ... هذه اللوحة رسمها الفنان بهيئة منكسرة ومشوهة ، تمكن ببراعة من التعبير عن التدهور المعنوي والجسمي للرجل العجوز ، فيبدو بملابسه الرثة وجسده الهزيل وهو يعزف على غيتاره بلا اهتمام وكأن العزف أصبح أمرآ ثقيلآ عليه بعد أن كان أنيسه ومتنفسه ! الملاحظ أيضآ وضعية جلوس العجوز غير المريحة أبدآ ، وكأن شيئآ لم يعد يعنيه ... بالضبط كما لو أن الحياة بدأت تتلاشى من جسده المتهالك !

ﺍﻟﺴﻴﺮﻳﺎﻟﻴﺔ

صورة
ﺍﻟﺴﻴﺮﻳﺎﻟﻴﺔ ﺗﻌﻨﻰ ﻣﺎ ﻓﻮﻕ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﻴﺔ ﺃﻭ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﻓﻬﻲ ﻣﺬﻫﺐ ﺃﺩﺑﻲ ﻓﻨﻲ ﻓﻜﺮﻱ ، ﺃﺭﺍﺩ ﺃﻥ ﻳﺘﺤﻠﻞ ﻣﻦ ﻭﺍﻗﻊ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻮﺍﻋﻴﺔ ، ﻭﺯﻋﻢ ﺃﻥ ﻓﻮﻕ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺃﻭ ﺑﻌﺪﻩ ﻭﺍﻗﻊ ﺁﺧﺮ ﺃﻗﻮﻯ ﻓﺎﻋﻠﻴﺔ ﻭﺃﻋﻈﻢ ﺍﺗﺴﺎﻋﺎً ، ﻭﻫﻮ ﻭﺍﻗﻊ ﺍﻟﻼﻭﻋﻲ ﺃﻭ ﺍﻟﻼﺷﻌﻮﺭ ، ﻭﻫﻮ ﻭﺍﻗﻊ ﻣﻜﺒﻮﺕ ﻓﻲ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ، ﻭﻳﺠﺐ ﺗﺤﺮﻳﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﻭﺇﻃﻼﻕ ﻣﻜﺒﻮﺗﻪ ﻭﺗﺴﺠﻴﻠﻪ ﻓﻲ ﺍﻷﺩﺏ ﻭﺍﻟﻔﻦ . ﻭﻫﻲ ﺗﺴﻌﻰ ﺇﻟﻰ ﺇﺩﺧﺎﻝ ﻋﻼﻗﺎﺕ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻭﻣﻀﺎﻣﻴﻦ ﻏﻴﺮ ﻣﺴﺘﻘﺎﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻱ ﻓﻲ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﺍﻷﺩﺑﻴﺔ . ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻀﺎﻣﻴﻦ ﺗﺴﺘﻤﺪ ﻣﻦ ﺍﻷﺣﻼﻡ؛ ﺳﻮﺍﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﻴﻘﻈﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﻨﺎﻡ ، ﻭﻣﻦ ﺗﺪﺍﻋﻲ ﺍﻟﺨﻮﺍﻃﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﺨﻀﻊ ﻟﻤﻨﻄﻖ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﻭﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ، ﻭﻣﻦ ﻫﻮﺍﺟﺲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﻭﺍﻟﻼﻭﻋﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻮﺍﺀ ، ﺑﺤﻴﺚ ﺗﺘﺠﺴﺪ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺣﻼﻡ ﻭﺍﻟﺨﻮﺍﻃﺮ ﻭﺍﻟﻬﻮﺍﺟﺲ ﺍﻟﻤﺠﺮﺩﺓ ﻓﻲ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺃﺩﺑﻴﺔ . ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺗﻌﺘﺒﺮ ﺍﻟﺴﺮﻳﺎﻟﻴﺔ ﺍﺗﺠﺎﻫﺎً ﻳﻬﺪﻑ ﺇﻟﻰ ﺃﺑﺮﺍﺯ ﺍﻟﺘﻨﺎﻗﺾ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺍﻫﺘﻤﺎﻣﻪ ﺑﺎﻟﺘﺄﻟﻴﻒ .

فريدريك نيتشه / شوبنهاور مربياً

صورة
تعرف هذه الأرواح الحرة والمنعزلة، أنها تظهر دائماً بهذه أو تلك الطريقة مختلفة عما تفكر : إنها لا تتمنى شيئاً آخر أكثر من الصدق والحقيقة، إلا أنها طوقت بشبكة من سوء الفهم، ولا تستطيع أمنيتهم المتحمسة أن تمنع إخفاء كل ما يقومون به بغلالة من آراء مزيفة، من التكّيف، تنازلات نصفية، موارات حذرة وتأولات خاطئة، ولهذا يرى المرء غيمة كئيبة كالحة على سيمائهم، فهذا النوع من البشر هم والحق أسوأ من الموت، بحيث يكونوا مضطرين على التظاهر، سخطهم المتواصل على هذا الإكراه يجعلهم غاضبين وخطرين. إنهم يثارون لأنفسهم بين فترة وأخرى عن اختفائهم القسري وتحفظهم الإجباري. فيخرجون من مخابئهم وعلى وجوههم تعبير مرعب، كلماتهم وأفعالهم متفجرات، ويمكن أن تؤدي إلى تدمير أنفسهم. هكذا عاش شوبنهاور تماماً في وسط مخاطر من هذا النوع. إن أمثال هؤلاء البشر العزل بالذات بحاجة إلى الحب، والأصدقاء .. الذين يمكنهم أن يكونوا صريحين وصادقين معهم كما اتجاه انفسهم، أصدقاء تكف في حضرتهم حالة الكتمان والرياء القسري. ابعد هؤلاء الأصدقاء عنك سيكون الخطر أكبر، هلك "هنريش فون كلايست" بسبب النقص لهذا الحب. أكثر الأساليب ا

الحياة /  سينيكا

صورة
حياةٍ كهذه، كما تعلم، لا ينبغي دومًا التمسك بها. ذلك أن مجرد العيش لا يُعدّ خيرًا، بل العيش بسعادة. لذلك، سيعيش الإنسان الحكيم بقدر ما ينبغي عليه أن يعيش، وليس بقدر ما يستطيع. ذلك الحكيم ينظر مطولًا إلى المكان الذي سيعيش فيه، والشخوص الذين سيعيش معهم، والطريقة التي سيمارس بها وجوده، ومن ثمّ يُقرر ما الذي ينبغي عليه فعله. ذلك أن ما يُهمه هو جودة السنين التي يعيشها، وليس عددها. فعندما يرى أن الكثير من النكبات تُلحقه بالأذى وُتعكّر صفوه، يُطلق سراح روحه. وتظل هبة هذا الاختيار مُتاحةٌ دومًا، ليس فقط حينما تغشو حياته الفوضى، بل في أي وقتٍ تمارس فيه فورتونا حيلها عليه؛ فينظر حوله في تأن، ليعلم إذا ما كان ينبغي عليه الرحيل أم البقاء. الحكيم لا يجد فرقًا بين الرحيل بشكلٍ طبيعي، أو الرحيل بإرادته، لا يُبالِ ما إذا كان الموت سيأتيه في صباه أو في شيبه. هو لا يواجه الموت مرتعدًا، وكأنه خسارةٌ فادحة، ذلك أنه ليس بوسع الإنسان أن يخسر الكثير إن لم يبق في كأسه سوى بضع قطرات. لا يكون السؤال عمّا إذا كان ينبغي أن تموت الآن أم في وقتٍ لاحق، بل عمّا إذا كنت ستموت بسعادةٍ أم بشقاء. والموت بسعادة، هو

ﺗﻌﺮﻑ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﺐ ﺷﻌﻮﺭﻧﺎ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻣﺮﻭﺭ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﻣﻊ ﺗﻘﺪﻣﻨﺎ ﺑﺎﻟﻌﻤﺮ

صورة
 ﻟﻤﺎﺫﺍ ﻧﺤﺲ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﻳﻤﺮ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻭﻳﻤﻀﻲ ﺍﻟﻌﻤﺮ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻧﺸﻌﺮ ﻛﻴﻒ ﻣﻀﻰ ، ﻛﺜﻴﺮﺍ ﻣﺎ ﺗﺘﺪﻭﺍﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﺒﺎﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺃﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻓﺘﺮﺓ ﻣﻨﺘﺼﻒ ﺍﻟﻌﻤﺮ ﻭﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ، ﻭﺭﺑﻤﺎ ﺗﺴﺎﺅﻟﺘﻢ ﻳﻮﻣﺎً ﻋﻦ ﺳﺒﺐ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺧﺎﺻﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻨﺘﺎﺑﻜﻢ ﺍﻹﺣﺴﺎﺱ ﺑﺎﻟﻨﺪﻡ ﻭﺍﻟﺤﺴﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻣﻀﻰ . ﻭﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺪﺩ ﺃﻛﺘﺸﻒ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﺳﺒﺐ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﺣﺴﺎﺱ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻣﺮﻭﺭ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻛﻠﻤﺎ ﺗﻘﺪﻣﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﺮ ﻭﺃﺛﺒﺘﻮﺍ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺏ ﻭﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﻨﻮﺭﺩﻫﺎ : ﻓﻲ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ، ﺃﺷﺎﺭ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻨﻔﺲ " ﻭﻟﻴﻢ ﺟﻴﻤﺲ " ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ ﻧﺸﺮﻩ ﻓﻲ ﻋﺎﻡ ،1890 ﺃﻧﻪ ﻣﻊ ﺗﻘﺪﻣﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﺮ ﻳﺒﺪﻭ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻟﻨﺎ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺗﺴﺎﺭﻉ ﻷﻥ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺒﻠﻮﻍ ﻳﺮﺍﻓﻘﻬﺎ ﺃﺣﺪﺍﺙ ﺃﻗﻞ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﺣﺪﺍﺙ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺜﺒﺖ ﻓﻲ ﺫﺍﻛﺮﺗﻨﺎ ، ﻭﺫﻟﻚ ﻟﻌﺪﻡ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺏ ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺒﻠﻮﻍ ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﺒﺐ ﺗﺴﺎﻫﻼً ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻣﺮﻭﺭ ﺍﻟﺴﻨﻴﻦ ﻷﻥ ﺫﺍﻛﺮﺗﻨﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﻓﺎﺭﻏﺔ ﻓﺘﻨﺘﻬﻲ ﺫﻛﺮﺍﻫﺎ ﺳﺮﻳﻌﺎً ﻓﻲ ﻋﻘﻮﻟﻨﺎ . ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ، ﺃﺟﺮﻯ ﺍﻟﺒﺎﺣﺜﺎﻥ ﺩﺍﻳﻔﻴﺪ ﻭﺍﻻﺵ ﻭﺟﻴﻤﺲ ﺟﺮﻳﻦ ﻋﻀﻮﺍ ﺟﻤﻌﻴﺔ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﻄﺎﻗﺔ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﻓﻲ ﻟﻨﺪﻥ ، ﺩﺭﺍﺳﺔ ﻣﻬﻤﺔ ﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻷﺷﺨﺎﺹ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺗﺘﺮﺍﻭﺡ ﺃﻋﻤﺎﺭﻫﻢ ﺑﻴﻦ 18 ﺇﻟﻰ 20 ﻋﺎﻣﺎً ، ﻭﺃﺷﺨﺎﺹ ﺗﺘﺮﻭﺍﺡ ﺃﻋﻤﺎﺭﻫﻢ ﺑﻴﻦ 30 ﺇﻟﻰ 71 ﻋﺎﻣﺎً ، ﻭﺫﻟﻚ ﻋﺒﺮ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻣﻬﻢ ﻟﺒﻌﺾ ﺍﻟﻤﺼﻄﻠﺤﺎﺕ ﺑ

رحلة إلى الجحيم / غوستاف فلوبير

صورة
 كنتُ أعلى الأطلسِ الكبير، ومِنْ هناك كنتُ أتأملُ العالَم، بذهبه وطينه، بفضائله وغروره. عندها ظهرَ لي الشّيطان، وقالَ: "تعالَ معي، شاهدْ وأمعن النظر؛ وستتمكنُ منْ رؤيةِ مملكتي، عالمي أنا." أخذني الشّيطان معه، وعرضَ لي العالَم. وفي أثناءِ تحليقنا عبرَ الفضاء، وصلنا إلى أوروبا. وهناك، أراني علماءَ وأدباءَ ونساءً ومتحذلقينَ ومتبجحين، ملوكًا وحكماء؛ كانَ هؤلاء أكثر الناسِ خَبَلاً. شاهدتُ أخًا يقتلُ أخاه، أمًا تخونُ ابنتها، كتابًا يهينونَ الشّعبَ مستغلينَ حظوةَ قلمهم لديه، رهبانًا يخونونَ أتباعهم، متثاقفينَ يقتلونَ هِمَّةَ الشّباب، وحربًا تحصدُ أرواحَ النّاس. وهنا، ثمة رجلٌ مخادعٌ يتقدمُ زاحفًا في الوحلِ باتجاه الكبار، ليعضَّ أكعابهم؛ ثمَّ يسقطون، وينتشي هو منْ سقوطِهم في الطّين. وهنا، ملكٌ يجلسُ في سريرِ العُهرِ الذي يتوارثونه أبًا عنْ جَد، حيثُ يتعلمُ دروسًا في الزِّنا، ويتذوقُ ما جادتْ عليه به المومسُ المختارة، تلك التي تحكمُ فرنسا. والشّعبُ يهتفُ ويصفق؛ إذ إنّه كانَ معصوبَ العينين. ورأيتُ عملاقين: الأولُ عجوز، ظهرهُ مُقوَّس، وجهه مجعدٌ وضعيفُ البنيّة. يتكئ على عصًى تسمى

لو كان لي أن أرى ثلاثة أيام / هيلين كيلر

صورة
اعتدت من وقت إلى أخر أن أختبر أصدقائي المبصرين لأكتشف ماذا يشاهدون … كنت مؤخراً في زيارة لإحدى صديقاتي التي كانت عائدة لتوها من أحد الحقول ،وعندما سألتها ماذا شاهدت ؟ أجابتني لا شيء على وجه التحديد. كدتُ لا أصدقها لو أنني لم أعتد سماع هذا الجواب من غيرها. فقد توصلت منذ وقت طويل إلى القناعة بأن المبصرين لا يرون إلا القليل…. دائماً ما أتساءل كيف يمكن أن نمشي لمدة ساعة بين الحقول ثم لا نشاهد شيئاً جديراً بالملاحظة ؟! … أنا الإنسانة العمياء أجد مئات الأشياء التي تشد انتباهي من خلال حاسة اللمس فقط. وأحياناً يقفز قلبي شوقاً لمشاهدة هذه الأشياء. إذا كنت احصل على متعة من مجرد اللمس فأي جمال سيكتشف لي من حاسة البصر. ولكن الأشخاص المبصرين مع الأسف لا يرون إلا القليل. ربما هي صفة بشرية ألا نشعر بأهمية ما نملك ونتوق لما لا نملك! من الخسارة أن تستخدم نعمة البصر في عالم النور كمجرد وسيلة لتسهيل المعيشة وليس أداة لإضافة بهجة للحياة . 

هاروكي موراكامي

صورة
لقد مرّ طويل منذ أن بدأت بالركض بشكل يومي. بالتحديد كان ذلك في خريف سنة 1982. كنت حينها أبلغ من العمر ثلاثة وثلاثين عامًا. وقبل هذا العمر بوقت قصير، كنت أملك نادٍ للجاز في طوكيو، بالقرب من محطة سنداجايا. كان لدينا بيانو والعديد من الطاولات. في النهار كنّا نفتح أبوابه كمقهى، وفي الليل كنّا نفتحها كحانة. قدّمنا طعامًا لذيذًا، واستضفنا عروضًا موسيقية وفنيّة. ثم بدأت الأمور بالتحسّن، كل ما قبل تلك اللحظة كان صراعًا للبقاء، لم يكن لدي وقت لأفكر بأي شيء آخر. والآن أشعر وكأنني وصلت إلى قمّة السلّم واصطدمت بفضاء مفتوح. لقد كنت واثقًا من قدرتي على حل أي مشكلة قادمة. أخذت نفسًا عميقًا ثم بدأت بالتفكير في المرحلة القادمة من حياتي. أوشكت على الوصول لسن الثلاثين. أوشكت على الوصول إلى العمر الذي لن أكون شابًا بعده أبدًا. ودون مقدمات، خطرت لي فكرة ملحّة: علي أن أكتب رواية. بإمكاني تذكر اللحظة بالضبط. لقد كان ذلك عند الساعة الواحدة والنصف ظهرًا، في أول أيّام شهر إبريل، سنة ١٩٧٨. كنت في ملعب جينجو، وحيدًا أشاهد مباراة لكرة القاعدة. كان الملعب قريبًا من شقتي، وكنت مشجعًا وفيًا لفريق ياكوت سوالوز. ي

حنا مينه / مأساة ديمتريو

صورة
" لا يمكن! " لا يمكن !! " لا يمكن !!! "يا ديمتريو، أقول لك لا يمكن، أتفهم؟ للمرة الألف هذا الشهر، و الذي قبله، قلت لك لا يمكن، أتفهم؟ قال ديمتريو لديمتريو بتسليم: "نعم لا يمكن .. أفهم ذلك، أفهمه أؤمن به، و قد قلته لك، أنا نفسي، منذ اللحظة الأولى". صاح ديمتريو الآخر: "أنت تكذب أيها الوغد، يا جواب الآفاق، تكذب و تعلم أنك تكذب، فلماذا تتظاهر بما لا تؤمن؟ حدق بوجهك في المرآة .. ألا ترى وجهك؟". عبر المرآة، حدق ديمتريو بديمترو، تحديقة خصمين متباغضين و متلازمين. حسناً! قال أحدهما للآخر، اتفقنا أنه لا يمكن. يجب أن نجزم، هذه الليلة، و إلى الأبد، بأنه لا يمكن. لقد اقتنع كلانا، باستحالة ذلك، و من الغد تتحول هذه القناعة إلى سلوك، كالذي كان، قبل أن تكون هي، قبل أن يكون اللقاء. في هذه اللحظة، شع شيء ما، في الجانب الأيسر من الصدر، و ترك إحساساً بالاختلاج كما يحدث تحت تأثير نزق عصبي، عقب فكرة تمر بالبال، أو صورة تهز الخاطر. و للتأكد من السلامة مد ديمتريو الواقف أمام المرآة، و كذلك ديمتريو الذي في داخلها، يده إلى الجانب الأيسر من صدره، و انتزع لفافة ورقية ع

بطل من هذا الزمان / ميخائيل ليرمنتوف

صورة
"نعم،ذلك كان حظي منذ نعومة أظافري؟كان جميع الناس الناس يقرأون في وجهي علامات غرائز شريرة انا منها بريء،و مازالوا يفترضونها في، حتي نبتت و تأصلت. كنت خجولا،فأتهموني بالمكر، فأصبحت كتوماً.و كنت احس بالخير و الشر احساساً عميقاً، و لكن احداً لم يعطف علي،بل كانوا جميعاً يؤذونني، فأصبحت حقوداً احب الانتقام.كنت حزين النفس، و كان الاطفال الاخرون فرحين هدارين، و كنت اشعر انني فوقهم، فقيل لي اني دونهم،فأصبحت حسودا،وكنت مهيأ لان احب جميع الناس، فلم يفهمني احد، فتعلمت الكره. لم يكن شبابي الخالي من الفرح الا صراعاً مع الناس و مع نفسي. خوفاً من الهزء،دفنت انبل عواطفي في اعماق قلبي، فماتت هنالك.وكنت احب ان اقول الحقيقة، فلم يصدقني احد، فأخذت اكذب. و قد تعلمت ان اسبر اغوار الناس، و ان ادرك الدوافع التي تحركهم فأصبحت بارعاً في فن الحياة، و لاحظت ان غيري ممن لا يملكون هذا الفن كانوا سعداء، ينعمون،من غير جهد بهذه الخيرات التي كنت اجهد للحصول عليها بلا كلال؛فولد اليأس في قلبي،لا ذلك اليأس الذي تذهب به رصاصة من مسدس، بل هذا اليأس البارد العاجز الذي يختفي وراء سلوك لطيف،و ابتسامة طيبة. اصبحت روحي

إميل سيوران / ابتهال إلى الأرق

صورة
كنتُ في السابعةِ عشر، وآمنتُ بالفلسفة. وكلُّ ما كان لا يمتُ إليها بصلةٍ بدا لي إما خطيئةً أو حِطةً: الشعراء؟ مشعوذونَ لا يصلحونَ سوى لإبهارِ امرأةٍ ساذجة؛ الأفعال؟ حماقاتٌ بدافعٍ منَ الهذيان؛ الحبّ، الموت؟ أعذارٌ منحطةٌ للتملصِِ منْ شرفِ المفاهيم. روائحُ كريهة لكونٍ لا تليقُ بهِ روائحُ العقل . . . المحسوس؟ يا لهُ منْ قذارة! البهجةُ والمعاناة، يا لهما منْ عار! وحدهُ التجريدُ بدا نابضًا بالحياة: وضعتُ نفسي في خدمةِ مآثر مُتعالية لئلا تجعلني مواضيعُ أكثر نبلاً أنحرفُ عنْ مبادئي وأستسلمُ لانحطاطِ القلب. قلتُ لنفسي مرارًا وتكرارًا: وحدها دارُ الدعارةِ متوافقةٌ معَ الميتافيزيقا، واتجهتُ - هربًا منَ الشعر- إلى أحضان الخادمات، إلى غنجِ الغواني. . . . في ذلكَ الحينِ جئتَ أيها الأرق، لتزعزعَ جسدي وكبريائي، أنت يا منْ يحوّلُ الاندفاعَ الصبياني، يمنحُ الوضوحَ للغرائز، الانتباهَ للأحلام، أنت يا منْ يهبُ في ليلةٍ واحدٍة معرفةً تفوقُ معرفةَ أياٍم نقضيها راقدين، وعلى الجفونِ المُحْمرّّةِ تكشفُ عنْ نفسكَ كحدثٍ أكثرَ أهميةً منَ الأمراضِ المجهولةِ ومنْ كوارثِ الزمن! أنتَ منْ جعلني أسمعُ شخيرَ الصِ

 The Seventh Seal 1957

صورة
أريد الإعتراف .. وكأن هذا أفضل ما يمكنني فعله لكن قلبي فارغ ، إن الفراغ مرآة . . أرى فيها وجهي و أشعر فيها بالاحتقار والرعب ، لامبالاتي حول الناس جعلتني منغلق ومطرود أنا حي الآن في عالم الأشباح . . . سجين في أحلامي - رغم أنك لا تريد الموت ! - أجل أنا لا أريده - ماذا تنتظر؟ - المعرفه - أنت تريد ضمانا - سميه كما شئت أن تسميه كيف نصدق كالمؤمنين بينما نحن لا نصدق أنفسنا؟ و ماذا عن أولئك الذين لا يستطيعون أن يصدقوا أي من هذا؟ لماذا علي أن استمر بالعيش في طريق مؤلم؟ أريد المعرفة لا الايمان و لا الظن .. لكن المعرفة إن الحياة .. إرهاب بلا شعور لا أحد يمكن أن يعيش مع الموت ويعرف بأن كل شيء . . . لا شيء الموت زارني هذا الصباح ، نحن نلعب الشطرنج ، لكن على أداء مهمة حيوية أولا حياتي كلها كانت بحث بلا معنى ، ما أقوله أنها كانت بدون ألم أو نقض ذاتي هذه يدي .. يمكنني أن أحركهما ، إن الدم يجري في عروقي ، الشمس ما زالت في الأفق وأنا أحمل بداخلي قوة أنطونيوس ... سألعب الشطرنج مع الموت .

جبران خليل جبران / الأجنحة المتكسرة 

صورة
...كل شيء عظيم وجميل في هذا العالم يتولد من فكر واحد أو من حاسة واحدة في داخل الإنسان. كل ما نراه اليوم من أعمال الأجيال الغابرة كان قبل ظهوره فكراً في عاقلة رجل أو عاطفة لطيفة في صدر امرأة.. الثورات التي أجرت الدماء كالسواقي وجعلت الحرية تعبد كالآلهة كانت فكراً خيالياً مرتعشاً بين تلافيف دماغ رجل فرد عاش بين ألوف من الرجال. الحروب الموجعة التي ثلت العروش وخربت الممالك كانت خاطراً يتمايل في رأس رجل واحد. التعاليم السامية التي غيرت مسير الحياة البشرية كانت ميلاً شعرياً في نفس رجل واحد منفصل بنبوغه عن محيطه. فكر واحد أقام الأهرام وعاطفة واحدة خربت طروادة وخاطر واحد أوجد مجد الإسلام وكلمة واحدة أحرقت مكتبة الإسكندرية. فكر واحد يجيئك في سكينة الليل ويسير بك إلى المجد أو إلى الجنون. نظرة واحدة من أطراف أجفان امرأة تجعلك أسعد الناس أو أتعسهم. كلمة واحد تخرج من بين شفتي رجل تصيرك غنياً بعد الفقر أو فقيراً بعد الغنى.. كلمة واحد لفظتها سلمى كرامة في تلك الليلة الهادئة أوقفتني بين ماضيّ ومستقبلي وقوف سفينة بين لجة البحار وطبقات الفضاء. كلمة واحدة معنوية قد أيقظتني من سبات الحداثة والخلو وسا

من مذكرات الأرقش/ ميخائيل نعيمة

صورة
ألا أغمضي عينيك أيتها الحريّة ،وأشيحي بوجهك عن الناس ثم لاتعجبي لهم،ولاتعتبي عليهم،ولاتدينيهم بجهلهم،ولا تحرقي شفاههم كلّما تلفّظوا باطلا بإسمك القدوس. فشفاههم لاتنطق بما في قلوبهم،بل بما يتمنون لو كان في قلوبهم. والّذي في قلوبهم هو الرِّق في أخسِّ مظاهره ومعانيه. رِقُّ الإنسان للإنسان.والذي يتمنون لو كان في قلوبهم هو روحك الطاهرة أيتها الحرية الطاهرة،السافرة،المقدّسة والمقدّسة. لذلك يمجِّدون إسمك بشفاههم ويدوسون جسدك بنعالهم. ولقد رأيتهم اليوم بعيني يسحقونك بأقدامهم ،وسمعتهم بأذنيّ يهتفون:يحيّ الملك! ومعنى ءلك :يحيِّ الرِّق! والموت للحريّة !فهم إذ يهتفون بحياة الرِّق لايدركون أنّهم بموتك يهتفون. وهم إذ يسيرون في موكب الرِّق لايعرفون أنّهم في جنازتك سائرون. ليس العبد من يباع ويشترى في سوق النّخاسة.وإنّما العبد من قلبه سوق للنخاسة. لذلك سكتُّ والناس يهتفون. 

أريد أن أقرأ شعراً / مهدي سلمان - البحرين

صورة
أريد أن أقرأ شعراً، كل قصيدةٍ لكل شاعرٍ منسيّ، أريد أن أملأ صدري بعواء الأصابع، وأقف على أطراف الليل المهدوم، ناظراً للسماء المثقوبة ببياض القمر. أريد شعراً خاسراً ومهزوماً، حاقداً ومهترئاً لأقرأه في حفرة روحي، أريدُ أبياتاً سقطت أسنانها الأمامية إثر لكمةٍ وحشية، قصائد مزقت الشمس أسمالها في صيفٍ قائظ، مخطوطاتٍ تعضُّ الترابَ، كأنها أنين الفريسة الأخير. أريدُ قصيدة أصرخها، أخمشُ بها إبهام الأبدية. يا كل القصائد المكتوبة على علب السجائر الفارغة، المحفورة على الأشجار الميتة، المطبوعة بحبر الوجع السريّ، المهملة في سلال الحدائق الذابلة. يا كل النصوص المصابة بالخرس المكابد. اشرحيني وشرّحيني، ضعي على فمي الآه الكونية التي لا أجرؤ على زفرها. أيها الشعر، البسيط جدا كتحية صباح، المهمل كطلب توظيف، ها أنت مرة أخرى محط سخرية الجميع، فقط لأنك لم تحظ بجائزة أو درجات عالية كتلميذ مجتهد... أكثر ما يعجبني فيك أنك لا تهتم، العالم كله يتحول عنك، ولا تهتم. كمنبوذ تركلك أقدام المارة، صدفة فقط يا صديقي. حتى أنهم لم يكترثوا بك ليركلوك عن سابق إصرار. وأنت أيها المسكين الجميل، بجنونك الغريب تسأل كل من

" ماذا علمتني الحياة " لــ د. جلال أمين

صورة
لا زلت أشعر ببعض الألم ووخز الضمير حتى الآن، كلما تذكرت منظر أبي وهو جالس فى الصالة وحده ليلا، فى ضوء خافت، دون أن يبدو مشغولا بشيء على الإطلاق، لا قراءة ولا كتابة، ولا الاستماع إلى راديو، وقد رجعت أنا لتوي من مشاهدة فيلم سينمائى مع بعض الأصدقاء. أحيي أبى فيرد التحية، وأنا متجه بسرعة إلى باب حجرتى وفى نيتى أن أشرع فورا فى النوم، بينما هو يحاول استبقائي بأي عذر هروبا من وحدته، وشوقا إلى الحديث فى أى موضوع. يسألنى أين كنت فأجيبه، وعمن كان معى فأخبره، و عن اسم الفيلم فأذكره، كل هذا بإجابات مختصرة أشد الاختصار وهو يأمل فى عكس هذا بالضبط. فإذا طلب منى أن أحكى له موضوع الفيلم شعرت بضيق، و كأنه يطلب منى القيام بعمل ثقيل، أو كأن وقتى ثمين جدا لا يسمح بأن أعطى أبى بضع دقائق. لا أستطيع حتى الآن أن أفهم هذا التبرم الذى كثيرا ما يشعر به شاب صغير إزاء أبيه أو أمه، مهما بلغت حاجتهما إليه، بينما يبدى منتهى التسامح وسعة الصدر مع زميل أو صديق له فى مثل سنه مهما كانت سخافته وقلة شأنه. هل هو الخوف المستطير من فقدان الحرية والاستقلال، وتصور أى تعليق أو طلب يصدر من أبيه أو أمه وكأنه محاوله للتدخل فى ش

ماذا قال الشيطان للكاهن- دوستويفسكي 

صورة
قال الشيطان للكاهن : ” مرحبا أيها الأب الصغير السمين ! ما الذي جعلك تكذب هكذا على هؤلاء الناس المساكين المضللين؟ أي عذابات من الجحيم صورت لهم؟ ألا تعلم أنهم يعانون أصلاً عذابات الجحيم في حياتهم على الأرض؟ ألا تعلم أنك أنت وسلطات الدولة مندوباي على الأرض؟ إنك أنت من تجعلهم يعانون آلام الجحيم الذي تهددهم به . ألا تعلم هذا ؟ حسنا إذاً ، تعال معي !؟ شد الشيطان الكاهن من ياقته ، ورفعه عالياً في الهواء، وحمله إلى مكان سبك الحديد في مصنع . وهناك رأى العمال يركضون على عجل ذهاباً وإياباً ، يكدحون في الحرارة الحارقة . وسرعان ما يفوق الهواء الثقيل مع الحرارة احتمال الكاهن ، فيتوسل إلى الشيطان والدموع في عينيه : “دعني أذهب ! دعني أترك هذا الجحيم !”. ” آه، يا صديقي العزيز ، يجب أن أريك أماكن أخرى كثيرة ”. ويمسك به الشيطان مرة أخرى ويسحبه إلى مزرعة. وهناك يرى العمال يدقون الحبوب . الغبار والحرارة لا يحتملان . ويأتي المراقب حاملاً سوطاً، يهوي به بلا رحمة على كل من يقع على الأرض عندما يغلبه الإرهاق من العمل الشاق أو الجوع . وبعدها يأخذ الكاهن إلى الأكواخ التي يعيش فيها أولئك العمال مع أسرهم .

النصف / جبران خليل جبران

صورة
لا تجالس أنصاف العشاق، ولا تصادق أنصاف الأصدقاء، لا تقرأ لأنصاف الموهوبين،لا تعش نصف حياة، ولا تمت نصف موت،لا تختر نصف حل، ولا تقف في منتصف الحقيقة، لا تحلم نصف حلم، ولا تتعلق بنصف أمل، إذا صمتّ.. فاصمت حتى النهاية، وإذا تكلمت.. فتكلّم حتى النهاية، لا تصمت كي تتكلم، ولا تتكلم كي تصمت. إذا رضيت فعبّر عن رضاك، لا تصطنع نصف رضا، وإذا رفضت.. فعبّر عن رفضك، لأن نصف الرفض قبول.. النصف هو حياة لم تعشها، وهو كلمة لم تقلها،وهو ابتسامة أجّلتها، وهو حب لم تصل إليه، وهو صداقة لم تعرفها.. النصف هو ما يجعلك غريباً عن أقرب الناس إليك، وهو ما يجعل أقرب الناس إليك غرباء عنك. النصف هو أن تصل وأن لاتصل، أن تعمل وأن لا تعمل،أن تغيب وأن تحضر.. النصف هو أنت، عندما لا تكون أنت.. لأنك لم تعرف من أنت، النصف هو أن لا تعرف من أنت.. ومن تحب ليس نصفك الآخر.. هو أنت في مكان آخر في الوقت نفسه. نصف شربة لن تروي ظمأك، ونصف وجبة لن تشبع جوعك،نصف طريق لن يوصلك إلى أي مكان، ونصف فكرة لن تعطي لك نتيجة النصف هو لحظة عجزك وأنت لست بعاجز.. لأنك لست نصف إنسان. أنت إنسان وجدت كي تعيش الحياة، وليس كي تعيش نصف حياة ليست حقي

رسائل كافكا إلى ميلينا

صورة
" في هذه اللحظة أنا مشتّت وحزين ، أضعت برقيتك ، كيف حدث ذلك لا يمكنها أن تضيع ! إن ذلك سيئ ، إنني أبحث عنها، إنه خطؤك أنت ! لو لم تكوني بمثل ذلك الجمال لما اضطررت أن أحملها طوال الوقت معي " هذا مجتزأ من رسالة بعثها كافكا في 31 تموز (يوليو) 1920 إلى ميلينا فور سماعه بنبأ مرضها ، وفيها يتحدّث كافكا عن المرض مسهباً بعد المقدمة المجتزأة آنفة الذكر : « والآن ماذا قال عن الالتهاب على رئتيك ؟ لا أتوقّع أنه نصحك بالصيام أو حمل الأمتعة ؟ وهل نصحك بأن عليك أن تتحسّني لأجلي ؟ أم إنه لم يذكرني إطلاقاً ؟ » . كمّ الأسئلة في الرسائل المدوّنة عظيم ، لا تكاد تخلو رسالة من سؤال ! صحيح أنّه أمر بديهي في أي رسالة ، لكن مع كافكا تغدو المسألة أعمق ، فأسئلة كافكا تدور حول أشياء يعتقد القارئ لأعماله الأخرى أنه مُقدمٌ على كتابة الأجوبة على تلك الرسائل في شكل نصٍّ سردي . هذا ما يجعل التأمّل في لحظات كتابة كافكا لتلك الرسائل وحالته النفسانيَّة أمراً ملغزاً ودونما فائدة من دون استعمال التخيّل واستحضار جمال ميلينا التي التقاها للمرة الأولى في فيينا ، لتصبح فيما بعد المتنفس والحلم الأكبر لكافكا أو ر

الروائي ستيفان زيفايج " كازانوفا "

صورة
ان كل فنان حقيقي يعيش الجانب الاكبر من حياته منعزلا ، منطويا علي نفسه ، في صراع متصل مع عمله الابداعي .. وهو صراع يقتضيه الا يفرغ للتجربة المباشرة للحياة ، بل للتجربة غير المباشرة ، تجربة الحياة في خضم المخيلة .. لا يستطيع أن يمنح جماح نفسه للحياة ولذاتها المباشرة الصافية الا انسان بلا أبداع .. الحياة عنده غاية ، لا مجرد وسيلة للفهم والاحساس والخلق الفني . الفنان والشهوان لهما هدفان متعارضان : الفنان يطلب ما هو حق ، وما هو نور .. والشهوان يطلب ما هو حس ، وما هو حرارة .. الفنان يطلب ما هو باق .. والشهوان يطلب ما هو عارض .. وما جعل الله لامري من قلبين في جوفه .. ولن يخدم المرء سيدين في وقت واحد .. لذا كان علي من ينشد غاية ان يوجه كل طاقته الي بلوغها ، متخليا عن غيرها من الغايات . وقد اختار " جيته " و " روسو " ومن اليهما غاية الفكر والفن ، وأستأثر " كازانوفا " بغاية اللذة .. وكل ميسر لما خلق له ..! والمعهود في طلاب اللذات العارضة ، والمسرات اليسيرة ، ان يكونوا علي نقيض أرباب الفنون الموهوبين .. فهم عاجزون عن وصف تجاربهم ذات الاصداء والاطياف المتباينة ، و