حول التراجيديا \ أسامة سليمان


 

أقوى ما في المسرح التراجيديا عبر تاريخه من كتبوا التراجيدي أقل ممن كتبوا الكوميديا...الكوميديا فن مشاع تعليق ساخر على مشاكلنا الحياتية وقد تعددت رؤى الكوميديا فالقالب حر واسع الأبعاد يمكننا أن نصف دائرة الطباشير القوقازية بالكوميديا وهي مسرحية ملحمية. والكراسي واميديه ليونسكو العبثيتان يمكن نعتهما بالكوميديتين. وعلى هواك والليلة الثانية عشرة لشيكسبير يمكن نعتهما بالكوميديتين. ومسرحيتاه الأخيرتان العاصفة وقصة الشتاء يمكن نعتهما بالكوميديتين. وبالتأكيد سخريات شو وموليير وبلاوتوس وبن جونسون كلها كوميدية ان ترجمة كلمة كوميديا باللغة العربية تعني ملهاة وليست الضحك أو حتى السخرية... وملهاة اشتقاق من اللهو يعني اللعب وهناك لعب بريء ولعب مميت ولهو بريء ولهو اثم ولهو يفضي للضحك ولهو يفضي للموت إذن  أي فهم لمعنى الكوميديا على انه الضحك نخطئ فالضحك هو بعد من أبعاد فن الكوميديا ونحن نتابع مثلا شخصية فولستاف لشيكسبير نحن لانضحك بل نتعجب من سخافته فشكسبير يقصد هذا انه يدعونا للاندهاش وإلى القليل من الضحك من فولستاف هذا هدف من أهداف الكوميديا من ضمن أهداف الكوميديا التزلف الى الجمهور واسترضاؤه باللعب على مشاعره ومتاعبه الحياتية وهو تزلف محبب يخفف عن النفس معاناتها اليومية ومن ضمن أهداف الكوميديا الضحك وهجاء المجتمع بسبب اللهو الذي يفضى الي الضحك وممن لعبوا على هذا الوتر موليير وجونسون وبرنارد شو أما صمويل بكيت في مسرحيته في انتظار جودو فنجد شخصيات خفيفة الظل تدعونا للتأمل في الحياة انها كوميديا في وضع متفلسف... من هنا نكتشف أن الكوميديا مطاطة البناء سهلة الحركة والإختيار في الأبعاد فكتابها كثر ... الكوميديا تاريخيا جزءاً لايتجزء من المسرح وضلعًا أساسيًا فيه لكن الواقع الإنساني في طياته يحمل بداخله المأساة اي التراجيديا اننا وكما تعلمون ينتابنا الخوف من المستقبل من الموت من نقص النقود من فقدان عزيز اننا لانضحك او نلهو طيلة اليوم بل عندما نستيقظ صباحا نشعر ان هناك هدفا يحيطه جو مأساوي يمر به الجميع كيف نأمن من المشاكل الاجتماعية اننا نحيا مأساة حقيقية صراع من أجل البقاء ولكن ماهي ذروة المأساة بالطبع الموت عمدا وليس الموت الطبيعي اي الوفاة ان النصوص السماوية واضحة ان الكبيرة الأساسية ليست الزنى اوالسرقة او الكذب بل هي القتل قتل الانسان لنفسه او قتل غيرة ان أول جريمة سجلها البشر هي قتل قابيل لهابيل من هنا بدأ الشر والآية الكريمة واضحة (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا )كان نشأة المسرح مع التراجيديا وليس الكوميديا الأمر ليس صدفة ان اول ممثل وقف على خشبة مثل الموت ان أسخولوس وضعنا امام حقيقة المسرح اي التراجيديا...التراجيديا كقالب محدود الحركة جامد متجهم مساحته الكتابية ليست حرة انه كالقصيدة العمودية في الشعر العربي ان التراجيديا في اغلب الأحيان تنتهي بفاجعة الموت ولاشيء غير ذلك من هنا حلاوة الفن في أقوى صوره عبر تاريخه .......لايمكن فهم مغزى المسرح الحقيقي الا عندما نتأمل تراجيدياته التي هي الجزء الخالد من الفن والحياة ان الترجيديا هي نحن بنو البشر.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كلُّه نكتة كونيّة \ روبرت أدمز

رسالة دوستويفسكي إلى اخيه ميخائيل بعد أن نجى من الاعدام بأعجوبة

قبل بزوغ الشمس \ فريدريك نيتشه

الإرتباك الوجودي الذي ينجم عن حالة الملل

على الطريق \ فريدريك نيتشه

قرد في الأكاديمية \ فرانز كافكا

كتاب مت فارغا \ تود هنري

هل الوعي حرٌّ؟ آناكا هاريس

الجمر البري \ نيكيتا جيل

تجنب الألم \ فيليب فان دان بوسش